للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَمَّا كَانَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ قَامَ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ فَقَاتَلَهُمْ أَشَدَّ الْقِتَالِ، وَجَعَلَ الْحَجّاجُ يَصِيحُ بأصحابه: يا أهل الشام، يَا أَهْلَ الشَّامِ، اللَّهَ اللَّهَ فِي الطَّاعَةِ، فَيَشُدُّونُ الشَّدَّةَ الْوَاحِدَةَ حَتَّى يُقَالَ: قَدِ اشْتَمَلُوا معليه، فَيَشُدُّ عَلَيْهِمْ حَتَّى يُفَرِّجَهُمْ وَيَبْلُغَ بِهِمْ بَابَ بَنِي شَيْبَةَ ثُمَّ يَكِرُّ وَيَكِرُّونَ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ مَعَهُ أَعْوَانٌ، فَعَلَ ذَلِكَ مِرَارًا حَتَّى جَاءَهُ حَجَرٌ عَائِرٌ١ مِنْ وَرَائِهِ فَأَصَابَهُ فِي قَفَاهُ فَوَقَذَهُ فَارْتَعَشَ سَاعَةً، ثُمَّ وَقَعَ لِوَجْهِهِ، ثُمَّ انْتَهَضَ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْقِيَامِ، وَابْتَدَرَهُ النَّاسُ، وَشَدَّ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ فَضَرَبَ الرَّجُلَ فَقَطَعَ رِجْلَيْهِ وَهُوَ مُتَّكِئٌ عَلَى مِرْفَقِهِ الأَيْسَرِ، وَجَعَلَ يَضْرِبُهُ وَمَا يَقْدِرُ أَنْ يَنْهَضَ حَتَّى كَثَّرُوهُ، فَصَاحَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الدَّارِ: وَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَاهْ قَالَ: وَابْتَدَرُوهُ فَقَتَلُوهُ رَحِمَهُ اللَّهُ.

وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ: رَأَيْتُ الْمَنْجَنِيقَ يُرْمَى بِهِ، فَرَعَدَتِ السَّمَاءُ وَبَرَقَتْ، وَاشْتَدَّ الرَّعْدُ، فَأَعْظَمَ ذَلِكَ أَهْلَ الشَّامِ وَأَمْسَكُوا، فَجَاءَ الْحَجَّاجُ وَرَفَعَ الْحَجَرُ بِيَدِهِ وَرَمَى مَعَهُمْ، ثُمَّ إِنَّهُمْ جَاءَتْهُمْ صَاعِقَةٌ تَتْبَعُهَا أُخْرَى، فَقَتَلَتْ مِنْ أَصْحَابِهِ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلا، فَانْكَسَرَ أَهْلُ الشَّامِ، فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لا تُنْكِرُوا هَذِهِ فَهَذِهِ صَوَاعِقَ تِهَامَةَ، ثُمَّ جَاءَتْ صَاعِقَةٌ فَأَصَابَتْ عِدَّةً مِنْ أَصْحَابِ ابْنِ الزُّبَيْرِ مِنَ الْغَدِ٢.

وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ الْمُنْذِرِ بْنِ الْجَهْمِ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ الزُّبَيْرِ يَوْمَ قُتِلَ وَقَدْ خَذَلَهُ مَنْ مَعَهُ خِذْلانًا شَدِيدًا، وَجَعَلُوا يَخْرُجُونَ إِلَى الْحَجَّاجِ نَحْوٌ مِنْ عَشَرَةِ آلافٍ، وَقِيلَ: إِنَّهُ مِمَّنْ فَارَقَهُ وَلَعَلَّهُ مِنَ الْجُوعِ ابْنَاهُ حَمْزَةُ وَخُبَيْبٌ، فَخَرَجَا إِلَى الْحَجّاجِ وَطَلَبَا أَمَانًا لِأَنْفُسِهِمَا٣.

فَرَوَى الْوَاقِدِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ: دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ عَلَى أُمِّهِ وَقَالَ: يَا أُمَّهْ خَذَلَنِي النَّاسُ حَتَّى وَلَدَيْ وَأَهْلِي، وَلَمْ يَبْقَ مَعِي إِلا مَنْ لَيْسَ عِنْدَهُ دَفْعِ أَكْثَرَ مِنْ صَبْرِ سَاعَةٍ، وَالْقَوْمُ يُعْطُونِي مَا أَرَدْتُ مِنَ الدُّنْيَا، فَمَا رَأْيُكِ؟ قَالَتْ: أَنْتَ أَعْلَمُ، إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّكَ عَلَى حَقٍّ وَإِلَيْهِ تَدْعُو فَامْضِ لَهُ، فَقَدْ قُتِلَ عَلَيْهِ أَصْحَابُكَ، وَلا تُمَكِّنْ مِنْ رَقَبَتِكَ يَتَلَعَّبُ بِهَا غِلْمَانُ بَنِي أُمَيَّةَ، وَإِنْ كُنْتَ إِنَّمَا أَرَدْتَ الدُّنْيَا فَبِئْسَ الْعَبْدُ أَنْتَ، أَهْلَكْتَ نَفْسَكَ وَمَنْ قُتِلَ مَعَكَ. فَقَبَّلَ رأسها وقال: هذا رأيي الَّذِي قُمْتُ بِهِ، مَا رَكَنْتُ إِلَى الدُّنْيَا، وَمَا دَعَانِي إِلَى الْخُرُوجِ إلا الْغَضَبُ لِلَّهِ، فانظري فإني


١ عائر: أي أصابه بالخطأ.
٢، ٣ خبر ضعيف: تاريخ الطبري "٦/ ١٨٧"؛ لأنه من رواية الواقدي.