الْمَنْصُورُ عَلَى زِيَادٍ وَاسْتَأْصَلَ أَمْوَالَهُ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ مُحَمَّدَ بْنَ خَالِدٍ الْقَسْرِيَّ وَأَمَرَهُ بِبَذْلِ الأَمْوَالِ فِي طَلَبِ مُحَمَّدٍ وَأَخِيهِ، فَبَذَلَ أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ دِينَارٍ فَلَمْ يَصْنَعْ شَيْئًا وَلا قَدِرَ عَلَيْهِمَا فَاتَّهَمَهُ الْمَنْصُورُ، فَعَزَلَهُ، وَوَلَّى رِيَاحَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ حَيَّانَ الْمُرِّيَّ، فَدَعَا الْقَسْرِيَّ فَسَأَلَهُ عَنِ الأَمْوَالِ، فَقَالَ: هَذَا كَاتِبِي وهو أعلم بها فقال: أسألك وتحليني عَلَى كَاتِبِكَ: فَأَمَرَ بِهِ رِيَاحٌ فُوجِئَتْ عُنُقُهُ وَضُرِبَ أَسْوَاطًا ثُمَّ بُسِطَ الْعَذَابُ عَلَى كَاتِبِهِ وَعَلَى مَوْلاهُ فَأَسْرَفَ وَجَدَّ فِي طَلَبِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي شِعَبٍ مِنْ شِعَابِ رَضْوَى وَهُوَ جَبَلُ جُهَيْنَةَ مِنْ أَعْمَالِ يَنْبُعَ. قَالَ: فَاسْتَعْمَلَ عَلَى يَنْبُعَ عَمْرَو بْنَ عُثْمَانَ الْجُهَنِيَّ وَأَمَرَهُ بِتَطَلُّبِ مُحَمَّدٍ، فَخَرَجَ عَمْرٌو إِلَيْهِ لَيْلَةً بِالرِّجَالِ فَفَزِعَ مُحَمَّدٌ وَفَرَّ مِنْهُمْ، فَانْفَلَتَ، وَلَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ، وُلِدَ لَهُ هُنَاكَ مِنْ جَارِيَةٍ فَوَقَعَ الطِّفْلُ مِنَ الْجَبَلِ مِنْ يَدِ أُمِّهِ فَتَقَطَّعَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:
مُنْخَرِقُ السِّرْبَالِ يَشْكُو الْوَجَى ... تَنْكُبُهُ أَطْرَافُ مَرْوٍ حِدَادْ
شَرَّدَهُ الْخَوْفُ وَأَزْرَى بِهِ ... كَذَاكَ مَنْ يَكْرَهُ حَرَّ الْجِلادْ
قَدْ كَانَ فِي الْمَوْتِ لَهُ رَاحَةٌ ... وَالْمَوْتُ حَتْمٌ فِي رِقَابِ الْعِبَادْ
فَلَمَّا طَالَ أمْرُ الأَخَوَيْنِ عَلَى الْمَنْصُورِ أَمَرَ رِيَاحًا بِأَخْذِ بَنِي حَسَنٍ وَحَبْسِهِمْ، فَأَخَذَ حَسَنًا وَإِبْرَاهِيمَ ابْنَيْ حَسَنٍ بْنِ حَسَنٍ, وَحَسَنَ بْنَ جَعْفَرِ بْنِ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، وَسُلَيْمَانَ وَعَبْدَ اللَّهِ ابْنَيْ دَاوُدَ بْنَ حَسَنِ بْنِ حَسَنٍ، وَأَخَاهُ عَلِيًّا الْعَابِدَ، ثُمَّ قَيَّدَهُمْ وَجَهَرَ عَلَى الْمِنْبَرِ بِسَبِّ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَأَخِيهِ فَسَبَّحَ النَّاسُ وَعَظَّمُوا مَا قَالَ، فَقَالَ رِيَاحٌ: أَلْصَقَ اللَّهُ بِوُجُوهِكُمُ الْهَوَانَ لأَكْتُبَنَّ إِلَى خَلِيفَتِكُمْ غِشَّكُمْ وَقِلَّةَ نُصْحِكُمْ، فَقَالُوا: لا سمع منك يا بن الْمَحْدُودَةِ١ وَبَادَرُوهُ يَرْمُونَهُ بِالْحَصَى، فَنَزَلَ وَاقْتَحَمَ دَارَ مَرْوَانَ وَأَغْلَقَ الْبَابَ، فَحَفَّ بِهَا النَّاسُ فَرَمَوْهُ وَشَتَمُوهُ، ثُمَّ أَنَّهُمْ كَفُّوا، ثُمَّ إِنَّ آلَ حَسَنٍ حُمِلُوا فِي أَقْيَادِهِمْ إِلَى الْعِرَاقِ، وَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهِمْ جَعْفَرٌ الصَّادِقُ وَهَمَّ يَخْرُجُ بِهِمْ مِنْ دَارِ مَرْوَانَ جَرَتْ دُمُوعُهُ عَلَى لِحْيَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لا تُحْفَظُ لِلَّهِ حُرْمَةٌ بَعْدَ هَؤُلاءِ، وَأُخِذَ مَعَهُمْ أَخُوهُمْ مِنْ أُمِّهِمْ مُحَمَّد بْن عَبْد اللَّهِ بْن عَمْرو بْن عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ وَهُوَ ابْنُ فَاطِمَةَ بِنْتُ الْحُسَيْنِ.
وَقَالَ الْوَاقِدِيُّ: أَنَا رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ حَسَنٍ وَأَهْلَ بَيْتِهِ يَخْرُجُونَ مِنْ دَارِ مروان
١ وفي تاريخ الطبري "٧/ ٥٣٧"، "لا نسمع منك يابن المحدود".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute