للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويقال أن عمرو بْن عُبَيْد رأس المعتزلة دخل عَلَى المنصور ووعظه، فبكى المنصور وقال: يَا أبا عثمان هل من حاجة، وكان يدني عمرًا ويكرمه ويجلّه، قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: وما هي؟ قال: لا تبعث حَتَّى آتيك. قَالَ: إذن لا نلتقي، قَالَ: عَن حاجتي سألتني، ثُمَّ نهض فلما ولّى أمدّه بصره وهو يَقُولُ:

كلكم يمشي رويد ... كلكم يطلب صيد

غير عمرو بن عبيد

قَالَ عَبْد السلام بْن حرب: أمر لَهُ بمال فردَّه، فَقَالَ المنصور: والله لتقبلّنه، قَالَ: والله لا أقبله، فَقَالَ لَهُ المهدي: أمير المؤمنين يحلف فحلف! قَالَ: أمير المؤمنين أقوى على الكفارة من عمك.

أَبُو خليفة: نا محمد بْن سلام قَالَ: قِيلَ للمنصور هل بقي من لذّات الدنيا شيء لم تنله؟ قَالَ: بقيت خصلة: أن أقعد فِي المصطبة وحولي أصحاب الحديث فَيَقُولُ المستملي: من ذكرت رحمك الله. قَالَ فغدا عَلَيْهِ الندماء وأبناء الوزراء بالمحابر والدفاتر، فَقَالَ: لستم بهم إنما هم الدَّنِسَةُ ثيابهم، المشقّقة أرجلهم، الطويلة شعورهم برد الآفاق وَنَقَلَةُ الحديث.

الصولي: ثنا أحمد بْن يحيى عَن محمد بْن إسماعيل عَن أبيه قَالَ: قَالَ عَبْد الصمد بْن علي للمنصور: يَا أمير المؤمنين لقد هممت بالعقوبة حَتَّى كأنك لم تسمع بالعفو، قَالَ: لأن بني أمية لم تُبْلَ رمَمُهُم، وآل أَبِي طالب لم تُغْمَد سيوفهم، ونحن بين قوم قد رأونا أمس سوُقة، واليوم خلفاء، فليس تتمهد هيبتنا في صدورهم إلا بنسيان العفو.

وَرُوِيَ أَنَّ هِشَامَ بْنَ عروة دَخَل عَلَى الْمَنْصُورِ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ عَنِّي دَيْنِي، قَالَ: فَكَمْ دَيْنُكَ؟ قَالَ: مِائَةُ أَلْفٍ. قَالَ: وَأَنْتَ فِي فِقْهِكَ وَفَضْلِكَ تَأْخُذُ مِائَةَ أَلْفٍ لَيْسَ عِنْدَكَ قَضَاؤُهَا! قَالَ: شَبَّ فَتَيَانِ لِي فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُبَوِّئَهُمْ وَخَشِيتُ أَنْ يَنْتَشِرَ عَلَيَّ مِنْ أَمْرِهِمْ مَا أَكْرَهُ فبوأتهم واتخذت لهم منازل وأولمت عنهم ثقة الله وَبِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ فَرَدَّدَ عَلَيْهِ: مِائَةَ أَلْفٍ! اسْتِنْكَارًا لَهَا، ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَمَرْنَا لَكَ بِعَشَرَةِ آلافٍ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِنِي مَا تُعْطِي وَأَنْتَ طَيِّبُ النَّفْسِ فَإِنِّي سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَعْطَى عَطِيَّةً وَهُوَ بِهَا طَيِّبُ النَّفْسِ بُورِكَ لِلْمُعْطِي