للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الوعيد سنة فَقَالَ أَبُو عمرو: إنك لألْكن الفهم إذا صَيَّرْتَ الوعيدَ الَّذِي فِي أعظم شيء مثله فِي أصغر شيء فأعلم أن النَّهْيَ عَن الصغير والكبير ليسا سواء، وإنما نهى اللَّه عَنْهُمَا لِيُتِمَّ حُجَّتَه عَلَى خلقه ولِئلا يعدل عَن أمره ووراء وعيده عفوه وكرمه، ثُمَّ أنشد:

لا يُرْهِبُ ابنُ العمِ مَا عشتُ صولَتي ... ولا أخْتَتي من صَوْلَة المتهدّد

وإنيّ وإِنْ أَوْعَدْتُه أو وعدتُه ... لَمُخْلِفٌ إِيعادِي ومُنْجز مَوْعِدِي

فَقَالَ لَهُ عمرو بْن عُبَيْد: صدقت إن العرب تمتدح بالوعد دون الوعيد وقد تمتدح بهما، ألم تسمع إِلَى قول الشاعر:

لا تخلف الوعد ولا ... تَبيتُ من ثارِهِ، عَلَى فَوْت

فقد وافق هَذَا قوله تعالى {وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: ٤٤] قَالَ أَبُو عمرو: قد وافق الأولُ أخبارَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَدِيثُ يفسّر القرآن.

قَالَ الأصمعي: قَالَ لِي أَبُو عمرو: كن عَلَى حذر من الكريم إذا أهنته ومن اللئيم إذا أكرمته، ومن العاقل إذا أحرجته ومن الأحمق إذا مازحته، ومن العاجز إذا عاشرته، وليس من الأدب أن تجيب من لا يسأل، أو تسأل من لا يجيبك، أو تحدّث من لا ينصت لك.

قَالَ الأصمعي: سَأَلت أبا عمر مَا اسمك؟ قَالَ: زبان. وعن الأصمعي بإسناد آخر قال: أبو عمر لا اسم لَهُ. وأَمَّا اليزيدي فعنه روايتان إحداهما: اسم أَبِي عمرو العريان والأخرى أن اسمه يحيى. وقال الأصمعي: سَمِعْت أَبَا عمرو يَقُولُ: كنت رأسًا والحسن حيّ.

قَالَ أَبُو عمرو الداني: نا مُحَمَّد بْن أَحْمَد نا ابْن دريد نا أَبُو حاتم عَن أَبِي عبيدة قَالَ: قَالَ أَبُو عمرو بْن العلاء: أنا زدت هذا البيت في قصيدة الأعمش وأستغفرُ اللَّه مِنْهُ:

وأَنْكَرَتْني وما كَانَ الَّذِي نَكَرَتْ ... من الحوادث إلا الشَّيْبَ والصَّلَعَا

قَالَ الأصمعي: كنت إذا سمعت أبا عمرو ويتكلم ظننته لا يعرف شيئًا، كَانَ يتكلّم كلامًا سهلًا.