للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأمين في شدّة الحصار، فإذا هُوَ قد قطع دِجلة بالشِباك، وكان في القصرِ برْكة عظيمة، يدخُل مِن دجلة إليها الماءُ في شُبّاك حديد. فسلّمتُ وهو مقيم عَلَى الماء، والخَدَم قد انتشروا في تفتيش الماء، وهو كالوَالِه١، فقال: لا تؤذيني يا عمّ، فإنّ مقْرطتي قد ذهبت مِن البركة إلى دجلة، والمقرطة سمكة كانت قد صيدت لَهُ، وهي صغيرة، فقرطها بحلقتي ذَهَب، فيها جوهرتان، وقيل ياقوتتان، فخرجت وأنا آيس مِن فَلاحه.

شدّة بطش الأمين:

وكان محمد فيما نقل المسعوديّ، في نهاية الشدّة والبطْش والحُسْن، إلا أنّه كَانَ مَهينًا، عاجز الرأي، ضعيف التدبير.

وحُكى أنّه اصطبح يومًا، فأتي بسبْعٍ هائلٍ عَلَى جمل في قفص، فوُضع بباب القصر، فقال: افتحوا القفص وخّلوه.

فقيل: يا أمير المؤمنين، إنّه سبعٌ هائل أسود كالثور، كثير الشّعْر.

قَالَ: خلّوا عَنْهُ.

ففعلوا، فخرج فزأر وضرب بذَنَبه الأرضَ، فتهارب الناس، وأغلقت الأبواب، وبقي الأمين وحده غير مكترِث. فأتاه الأسد وقصَده ورفع يده، فجذبه الأمين وقبض عَلَى ذنبه، وغمزه وهزّه ورماه إلى الخلف، فوقع السَّبْع عَلَى عجزه ميتًا. وجلس الأمين كأنّه لم يعمل شيئًا. وإذا أصابعه قد تخلّعت. فشقّوا بطن الأسد فإذا مرارته قد انشقّت عَلَى كبده.

الإشارة عَلَى الأمين بالخروج إلى الجزيرة والشام:

وعن محمد بْن عيسى الْجُلُودي قَالَ: دخل على محمد بْن زُبيدة: حاتمُ بْن صقْر، ومحمد بْن الأغلب الإفريقيّ، وقوّاده، فقالوا: قد آلت حالُنا إلى ما ترى، وقد رأينا أن تختار سبعة آلافِ رجلٍ مِن الْجُنْد فتحملهم عَلَى هذه السبعة آلاف فَرَس التي عندك، وتخرج ليلا، فإنّ الّليل لأهله، فتلحق بالجزيرة والشام، وتصير في مملكة


١ الواله: المجنون.