واسعة يتسارع إليك الناس. فعزم عَلَى ذَلِكَ، فبلغ الخبر إلى طاهر، فكتب إلى سليمان بْن المنصور، والى محمد بْن عيسى بْن نَهِيك، والسّنْديّ بْن شاهك: لئن لم تَرُدُّوه عَنْ هذا الرأي لا تركتُ لكم ضيعة. فدخلوا عَلَى محمد، وخوّفوه مِن الذين أشاروا عَلَيْهِ أنّهم يأخذونه أسيرًا، ويتقرّبون بِهِ إلى المأمون. وضربوا لَهُ الأمثال، فخاف ورجع إلى قبول ما يبذلونه لَهُ مِن الأَيْمان، ويخرج إلى هَرْثَمَة.
النصح للأمين بالاستسلام لهَرْثَمَة:
وعن عليّ بْن يزيد قَالَ: وفارق محمدًا: سليمان بْن المنصور، وإبراهيم بْن المهديّ ولحِق بعسكر المهديّ. وقوي الحصار عَلَى محمد يوم الخميس والجمعة والسبت، وأشار عَلَيْهِ السّنْديّ بأنّه لَيْسَ لَهُ فرج إلا عند هَرْثَمَة. فقال: وكيف لي بهَرْثَمَة وقد أحاط الموتُ بي مِن كلّ جانب؟ فلمّا همّ بالخروج إِلَيْهِ مِن دون طاهر، اشتدّ ذَلِكَ عَلَى طاهر وقال: هُوَ في جُنْدي، وأنا أخرجته بالحرب، ولا أرضي أن يخرج إلى هَرْثَمَة دوني.
فقالوا لَهُ: هُوَ خائف منك، ولكن يدفع إليك الخاتم والقضيب والبُردة، فلا يفسُد هذا الأمر. فرضي بذلك.
وقوع الأمين في الأسر:
ثمّ إنّ الهِرْش لمّا علم بذلك أراد التقرُّب إلى قلب طاهر، فقال في كتاب إِلَيْهِ: الَّذِي قالوه لك مَكْرٌ، ولا يدفعون إليك شيئًا. فاغتاظ وكَمَن حول قصر أمّ جعفر في السلاح والرجال، وذلك لخمسٍ بقين مِن المحرّم. فلمّا خرج محمد وصار في الحرّاقة رموه بالنّشّاب والحجارة، فانكفأت الحرّاقة، وغرِق محمد وهَرْثَمَة، ومن كَانَ بها. فسبح محمد حتى صار إلى بستان موسى، فعرفه محمد بْن حُمَيْد الطّاهريّ، فصاح بأصحابه، فنزلوا ليأخذوه، فبادر محمد الماء، فأُخذ برجْله وَحُمِلَ عَلَى برْذَوْن، وخلْفه مِن يُمسكه كالأسير.
ما رُوِيَ حول أسر الأمين:
وعن خطّاب بْن زياد أنّ محمدًا وهَرْثَمَة لما غِرقا أتانا محمد بْن حُمَيْد، فأسَرَّ إلى طاهر أنّه أسر محمدًا. فدعا بمولاه قريش الدَّنْدانيّ، وأمره بقتل محمد.