للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَقَالَ: "مَنْ يَأْخُذُهُ بِحَقِّهِ"؟ فَقُمْتُ فَقُلْتُ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. فَأَعْرَضَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: "مَنْ يَأْخُذُ هَذَا السَّيْفَ بِحَقِّهِ"؟ فَقَامَ أَبُو دُجَانَةَ سِمَاكُ بْنُ خَرَشَةَ, فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا حَقُّهُ؟ قَالَ: "أَنْ لَا تَقْتُلْ بِهِ مُسْلِمًا وَلَا تَفِرَّ بِهِ عَنْ كَافِرٍ". قَالَ: فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَكَانَ إِذَا أَرَادَ الْقِتَالَ أَعْلَمَ بِعِصَابَةٍ، فَقُلْتُ: لَأَنْظُرَنَّ الْيَوْمَ كَيْفَ يَصْنَعُ. قَالَ: فَجَعَلَ لَا يَرْتَفِعُ لَهُ شَيْءٌ إِلَّا هَتَكَهُ وَأَفْرَاهُ، حَتَّى انْتَهَى إِلَى نِسْوَةٍ فِي سَفْحِ جَبَلٍ مَعَهُنَّ دُفُوفٌ لَهُنَّ، فِيهُنَّ امْرَأَةٌ وَهِيَ تَقُولُ:

نَحْنُ بَنَاتُ طَارِقْ ... نَمْشِي عَلَى النَّمَارِقْ

إِنْ تُقْبِلُوا نُعَانِقْ ... أَوْ تُدْبِرُوا نفارق

فراق غير وامق

قال: فأهوى بالسيف إِلَى امْرَأَةٍ لِيَضْرِبَهَا، ثُمَّ كَفَّ عَنْهَا. فَلَمَّا انْكَشَفَ الْقِتَالُ قُلْتُ لَهُ: كُلُّ عَمَلِكَ رَأَيْتُ مَا خَلا رَفْعَكَ السَّيْفِ عَلَى الْمَرْأَةِ ثُمَّ لَمْ تَضْرِبْهَا. قَالَ أَكْرَمْتُ سَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَقْتُلَ بِهِ امْرَأَةً١.

وَرَوَى جَعْفَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَسْلَمَ، مَوْلَى عُمَرَ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ مَعْبَدِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ حِينَ رَأَى أَبَا دُجَانَةَ يَتَبَخْتَرُ: "إِنَّهَا لَمِشْيَةٌ يَبْغَضُهَا اللَّهُ إِلَّا فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ".

وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ وَغَيْرِهِ، إِنَّ رَجُلًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ خَرَجَ يَوْمَ أُحُدٍ، فَدَعَا إِلَى الْبِرَازِ، فَأَحْجَمَ النَّاسُ عَنْهُ حَتَّى دَعَا ثَلَاثًا، وَهُوَ عَلَى جَمَلٍ لَهُ، فَقَامَ إِلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَوَثَبَ حَتَّى اسْتَوَى مَعَهُ عَلَى بَعِيرُهُ، ثُمَّ عَانَقَهُ فَاقْتَتَلَا فَوْقَ الْبَعِيرِ جَمِيعًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الَّذِي يَلِي حَضِيضَ الْأَرْضِ مَقْتُولٌ". فَوَقَعَ الْمُشْرِكِ وَوَقَعَ عَلَيْهِ الزُّبَيْرُ فَذَبَحَهُ. ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَرَّبَ الزُّبَيْرَ فَأَجْلَسَهُ عَلَى فَخْذِهِ وَقَالَ: "إن لكل نبي حواريًّا والزبير حواريي".

قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَاقْتَتَلَ النَّاسُ حَتَّى حَمِيَتِ الْحَرْبُ، وَقَاتَلَ أَبُو دُجَانَةَ حَتَّى أَمْعَنَ فِي النَّاسِ، وَحَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ، وَآخَرُونَ.

وَقَالَ زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: ثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ قَالَ: جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ -وَكَانُوا خَمْسِينَ- عَبْدَ الله بن جبير، وقال: "إذا رأيتمونا


١ رجاله ثقات: أخرجه البزار. "المجمع" "٦/ ٩".