يابني، بابًا كنتُ أدقُّه منذ خمس وتسعين سنة يُفتح السّاعة، لا أدْرِي أيُفْتَحُ بالسّعادة أَمْ بالشّقاء، فأنّى لي أوان الجواب. وكان عليه سبعمائة دينار دَيْنًا، فوفاها إنسانٌ عنه.
وكان أبو حفص النَّيْسَابُوري يقول: ما رأيتُ أكبر هِمّة ولا أصدق حالًا من أحمد بْن خَضْرَوَيْه. وكان له قدم في التَّوَكُّلِ.
وبَلَغَنَا عنه أنّه قال: القلوب جوّالة، فإمّا أن تجول حول العرش، وإمّا أن تجول حول الحُشّ. قيل: إنّ أحمد بْن خَضْرَوَيْه مات سنة أربعين ومائتين.
١٤- أحمد بن أبي دؤاد بْن حَرِيز١ القاضي أبو عبد الله الأياديّ البصري ثم البغداديّ. واسم أبيه: الفَرَج. ولى القضاء للمعتصم وللواثق، وكان مصرِّحًا بمذهب الْجَهْميّة، داعيةً إلى القول بخلْق القرآن. وكان موصوفًا بالْجُود والسّخاء، وحسن الخُلُق، وغزارة الأدب. قال الصُّولِيّ: كان يُقال: أكرم من كان في دولة بني العباس البرامكة، ثم أبي دؤاد، لولا مَا وَضع به نفسه من محبّة المِحْنة لاجتمعت الألْسُنُ عليه، ولَمْ يُضَفْ إلى كرمه كرم أحد.
ولد ابن أبي دؤاد سنة ستّين ومائة بالبصرة. قال حَرِيز بْن أحمد بن أبي دؤاد قال: كان أبي إذا صلى رفع يديه إلى السّماء وخاطب ربّه فقال:
ما أنت بالسبب ضعيفًا وَإنَّما ... نُجْحُ الْأُمُورِ بقُوَّةِ الأسبابِ
فاليومَ حاجَتُنَا إليك، وإنما ... يدعى الطبي لساعةِ الأَوْصَابِ
وقال أبو العَيْنَاء: كان أحمد بن أبي دؤاد شاعرًا مُجيدًا، فصيحًا بليغًا، ما رأيتُ رئيسًا أفصح منه. وقال فيه بعضُ الشعراء:
لقد أَنْسَتْ مساوئَ كلِّ دهر ... محاسن أحمد بن أبي دؤاد
وما سافرتُ فِي الآفاق إِلَّا ... ومن جَدْوَاك راجلتي وزادي
يُقيمُ الظّنُّ عندك والأماني ... وإنْ قَلِقتْ ركابي في البلاد
وقال الصُّوليّ: ثنا عَوْن بْن محمد الكِنْدِيّ قال: لعهدي بالكرخ، وإن رجلًا لو
١ انظر تاريخ الطبري "٨/ ٦٤٩"، وسير أعلام النبلاء للمصنف "١١/ ١٦٩"، وميزان الاعتدال "١/ ٦٧".