للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن أبي دؤاد مُسلم لقُتِل في مكانه. ثُمَّ وقع الحريق في الكرخ، وهو الذي لَمْ يكن مثله قطّ. كان الرجلُ يقوم في صينّية شارع الكَرْخ فيرى السفن في دجلة. فكلم ابن أبي دؤاد المعتصمَ في النّاس وقال: يا أمير المؤمنين رعيّتك في بلد آبائك ودار مُلْكهم، نزل بهم هذا الأمر، فاعِطْف عليهم بشيء يُفَرَّقُ فيهم يُمسك أرماقهم ويبنون به ما انْهَدَمَ. فلَم يزل يُنازله حتّى أطلق له خمسة آلاف ألف درهم، وقال: يا أمير المؤمنين إنْ فَرّقها عليهم غيري خفتُ أن لا يقسّم بالسَّويَّة١. قال: ذاك إليك. فقسّمها على مقادير ما ذهبَ منهم، وغرِم من ماله جُملة. قال عون: فلَعَهْدِي بالكَرْخ بعد ذلك، وإنّ إنسانًا لو قال: زرُّ ابن أبي دؤاد وسِخ لقُتِل. وقال ابن دُرَيْد: أنا الحسن بن الخضر قال: كان ابن أبي دؤاد مؤالفًا لأهل الأدب من أيّ بلد كانوا. وكان قد ضمّ إليه جماعة يموّنهم، فلمّا مات اجتمع ببابه جماعة منهم، فقالوا: يُدفن مَن كان على ساقِه الكرم وتاريخ الأدب ولا نتكلّم فيه؟ إنّ هذا لَوَهْنٌ وتقصير. فلمّا طلع سريره قام ثلاثة منهم، فقال أحدهم:

اليوم مات نظامُ الفَهْم واللَّسْن ... ومات مَنْ كان يُسْتعدي على الزَّمَنِ

وأظلمَتْ سُبُل الآداب إذ حُجِبَتْ٢ ... شَمسُ المكارم في غيمٍ٣ من الكفنِ

وقال الثاني:

ترك المنابرَ والسّريرَ تَوَاضُعًا ... وله منابر لو يشاء وسَريرُ

ولِغَيْره يُجْبَى الخَراجُ وإنّما ... تُجْبَى إليه مَحامدٌ وأجورُ

وقال الثالث:

وليس نسيمَ المِسْك ريحَ حَنُوطه ... ولكنه ذاك الثناء المخلَّفُ

وليس هرِيرَ النَّعْش ما تسمعونه ... ولكنّها أصلابُ قوم تُقَصَّفُ

قال أبو رَوْق الهِزّانيّ: حكى لي ابنُ ثعلبة الحنفيّ عن أحمد بْن المعذَّل أنّ ابن أبي دؤاد كتب إلى رجلٍ من أهل المدينة: إنْ تابَعتَ أمير المؤمنين في مقالته استوجبتَ حُسن المكافأة.


١ أي بالتساوي.
٢ أي غابت.
٣ غيم أي ذهاب النور.