الشاعر يؤذيه ويهجوه. وكان أحمد يقول له: أنت كالإصبع الزّائدة، إنْ تُرِكت شانت، وإنْ قَطِعَتْ آلَمَت. ولأحمد بْن المعذَّل أخبار. وكان أهلُ البصرة يسمُّونه الراهب لدِينه وتعبُّده. قال أبو داود: كان ابن المعذَّل ينهاني عن طلب الحديث. وقال يموت بْن المُزَرِّع، عن المبرّد، عن أحمد بْن المعذَّل قال: كنت عند ابن الماجِشُون، فجاء بعضُ جُلَسائه فقال: يا أبا مروان أعجوبة١.
قال: وما هي؟ قال: خرجتُ إلى حائطي بالغابة، فعرض لي رجلٌ فقال: اخلَعْ ثيابك، فأنا أَوْلَى بِهَا. قلتُ: وَلِمَ؟ قال: لأنّي أخوك وأنا عُريان. قلت فالمواساة؟ قال: قد لبستها برهة. قلت: فتعريني فتبدو عَوْرَتِي؟ قال: قد روينا عن مالك أنّه قال: لا بأس للرجل أن يغتسل عُرْيَانًا. قلتُ: يلقاني النّاس فيرون عَوْرَتِي. قال: لو كان أحد يلقاك في هذه الطريق ما عرضتُ لك. قلت: أراك ظريفًا، فدعني حتّى أمضي إلى حائطي فأبعثُ بِهَا إليك. قال: كلا، أردتَ أن توجِّه عَبيدك فيمسوكوني. قلتُ أحْلِفُ لَك. قال: لا روينا عن مالك قال: لا تَلْزَم الأَيْمَان التي يُحلف بها اللصوص. قلت: فأحلف أنّي لا أحتالُ في يميني. قال: هذه يمين مركّبة.
قلتُ دع المناظرة، فواللهِ لأوَجِّهنّ بِهَا إليك طيّبةً بِهَا نفسي. فأطرَقَ ثُمَّ قال: تصفّحت أمر اللّصوص من عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى وقتنا، فلم أجد لصًّا أخذ بنسيئة، وأكره أن أبتدع في الإسلام بِدْعَة يكون عليّ وِزْرُهَا ووزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا إلى يوم القيامة، اخلعْ ثيابَك.
فخلعتها، فأخذها وانصرف. وقال حرب الكرْمَانيّ: سألتُ أحمد بْن حنبل أيكون من أهل السنة، مَنْ قال: لا أقول مخلوق ولا غير مخلوق. قال: لا، ولا كرامة. وقد بلغني عن ابن معذَّل الذي يقول بِهذا القول أنّه فتن النّاس من أهل البصرة كثير. وقال أبو قِلابة الرّقاشيّ: قال لي أحمد بْن حنبل: ما فعل ابن مُعَذَّل؟ قلتُ: هو على نحو ما بلغك. قال: أما إنّه لا يُفْلِحُ. وقال نصرُ بْن عليّ: قال الأصمعيّ، ومرّ به أحمد بْن مُعَذَّل فقال: لا تنتهي أو تفتق في الإسلام فتقًا. قلت: قد كان ابن المعذل من بُحُور العلم، لكنّه لم يطلب الحديث، ودخل في الكلام، ولِهذا توقّف في مسألة القرآن، رحمه الله.