للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فرأى فِي النوم كأنّه يمشمش عظْمًا. فدعى المعَبّر وقصّ عليه فقال: لقد سَمَت همَّة مولانا إِلَى مكسبٍ لا يُشبَّه خَطَرُه.

فأمر صاحب صدقته أن يأخذ الخمسين ألف دينار من التّاجر ويتصدَّق بها. وكان سامحه الله تعالى، قد ضبط الثغور وعمّرها. وكان صحيح الْإِسْلَام معظِّمًا للحُرُمات، محبّا للجهاد والرّباط.

قَالَ أَحْمَد بْن خاقان، وكان تِرْبًا لأحمد بْن طولون. وُلِد أَحْمَد سنة أربع عشرة ومائتين، ونشأ في الفقه والتصرُّف، فانتشر له حُسْن الذّكر، وكان شديد الإزراء على الأتراك فيما يرتكبونه، إِلَى أن قَالَ لي يومًا: يا أخي، إِلَى كم نقيم على الإثم، لا نطأ موطئًا إلى كُتِب علينا فِيهِ خطيئة.

والصّواب أن نسأل الوزير عبيد الله بن يحيى أن يكتب بنا بأرزاقنا إِلَى الثّغر ونقيم به فِي ثوابه.

ففعلنا ذلك، فَلَمَّا صرنا بطَرَسُوس سرَّ بما رَأَى من الأمر بالمعروف والنَّهْي عن المُنْكَر، ثُمَّ عاد إِلَى العراق وارتفع محلُّه.

قَالَ محمد بْن يوسف الهَرَوِيّ، نزيل دمشق: كنّا عند الرَّبِيع بْن سُلَيْمَان سنة ثمانٍ وستّين، إذ جاء رسول أَحْمَد بْن طولون بكيسٍ فِيهِ ألف دينار، وقَالَ لي عَبْد الله القيروانيّ: بل كان سبعمائة دينار، وصرّة فيها ثلاثمائة دينار، لابنه أبي الطّاهر. فدعى الرَّبِيع ابنه حتّى جاءه فأمره بقبض المال.

ذكر محمد بْن عَبْد الملك الهَمْدانيّ أنّ أَحْمَد بْن طولون جلس يأكل، فرأى سائلًا، فأمر له بدجاجةٍ ورغيفٍ وحلوى. فجاء الغلام وقَالَ: ناولته فَمَا هشَّ له. فقال: عليَّ به. فَلَمَّا مَثُلَ بين يديه لم يضطّرب من الهيبة، فقال: أحضِر الكُتُب الّتي معك وأصْدِقْني، فقد ثبت عندي أنّك صاحب خبر. وأحضر السِّياط فاعترف فقال بعض من حضر: هَذَا والله السِّحْر.

قَالَ: ما هو بسحر، ولكنه قياس صحيح. ورأيت سوء حاله، فسيَّرت له طعامًا يسُّر له الشَّبعان، فَمَا هشَّ، فأحضرته فتلقّاني بقوَّة جأش، فعلمت أنّه صاحب خبر١.


١ السير "١٠/ ٤٨".