للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إِلَى أصحابه، فمنهم أبو إِبْرَاهِيم إِسْمَاعِيل بْن يحيى بْن إِسْمَاعِيل بْن عَمْرو بْن إِسْحَاق المُزَنيّ. مات بمصر سنة أربعٍ وستّين ومائتين.

وكان زاهدًا عالمًا مجتهدًا مُنَاظِرًا مِحْجاجًا غوّاصًا على المعاني الدّقيقة، صنَّف كُتُبًا كثيرة: الجامع الكبير، والجامع الصغير، ومختصر المختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة، والترغيب فِي العِلم، وكتاب الوثائق.

قَالَ الشّافعي: المُزَنيّ ناظر مذهبي.

قلت: وردَ أنّ المُزَنيّ كان إذا فرغ من مسألة وأودعها مختصره صلّى رَكْعَتَين.

وقِيلَ: إنّ بكّار بْن قُتَيْبَة قدِم مصر على قضائها، وهو حنفيّ، فاجتمع بالمُزَنيّ مرّة، فسأله رَجُل من أصحاب بكّار فقال: قد جاء فِي الأحاديث تحريم النبيذ وتحليله، فلِم قدَّمتم التّحريم على التحليل؟ فقال المُزَنيّ: لم يذهب أحد إِلَى تحريم النبيذ فِي الجاهلّية، ثمّ حلّلَ لنا. ووقع الاتّفاق على أنّه كان حلالًا فحُرّم، فهذا يعضد أحاديث التّحريم على التّحليل.

فاستحسن بكّار ذلك منه.

وقَالَ عَمْرو بْن تميم المكيّ: سمعتُ محمد بن إِسْمَاعِيل التّرمِذيّ: سمعت المُزَنيّ يقول: لا يصحُّ لأحدٍ توحيدٌ حَتَّى يعلم أنّ الله على العرش بصفاته.

قلت: مثل أيّ شيء؟ قَالَ: سميع بصير عليم١.

قَالَ السُّلميّ: سمعتُ محمد بْن عَبْد الله بْن شاذان: سمعت محمد بْن عليّ الكِنانيّ: سمعت عَمْرو بْن عُثْمَان المكّيّ يقول: ما رأيت أحدًا من المتعبّدين فِي كثرة من لقيت منهم أشدّ تعظيمًا للعِلْمِ منه. وكان من أشدّ النّاس تضييقًا على نفسه فِي الورع، وأوسعه فِي ذلك على النّاس. وكان يقول: أَنَا خُلُق من أخلاق الشافعيّ.

وبَلَغَنا أنّ المُزَنيّ كان مُجاب الدّعوة، ذا زهدٍ وتقشُّف. أَخَذَ عنه خلق من علماء


١ السير "١٢/ ٤٩٤".