عرفناكم إلّا بالطاعة والتّلاوة والحجّ، وإنّ دينكم لا يتّم إلّا بالإتّباع. وما نشك أنّ هَذَا الملعون قد موَّه عليكم، فَمَنْ تمسَّك منكم بالإسلام فلينفُرْ عَنْهُ. فلم يجيبوه.
وقِيلَ: كان عسكر يعقوب ميلًا فِي ميل، ودوابُّهم على غاية الفراهة، فوقف المعتمد بنفسه، وكشف الموفَّق أخوه رأسه وقَالَ: أَنَا الغلام الهاشميّ. وحمل وحمي الحرب، وقُتِل خلقٌ من الفريقين، فهزم يعقوب وأخذت خزائنه، وما أفلت أحمد من أصحابه إلّا جريحًا، وأدركهم الليل فوقعوا من الزّحمة وأثقلتهم الجراح.
وقَالَ أبو السّاج ليعقوب: ما رَأَيْت منك شيئًا من تدبير الحرب، فكيف كنت تغلب النّاس؟ فإنّك جعلت ثِقَلَك وأسْراك أمامك، وقصَدت بلدًا على قلة معرفة منك بمَخَائضه وأنهاره، وسرت من السُّوس إِلَى واسط فِي أربعين يومًا، وأحوال عسكرك منحلَّة. فقال: لم أعلم أنّي محارب، ولم أشكَّ فِي الظَّفر.
وقَالَ عَبْد الله بْن أَحْمَد بْن أبي طاهر: بعث يعقوب رُسُلَه إِلَى المعتمد، ثُمَّ سار إِلَى واسط فاستناب عليها، ووصل إِلَى دَيْر العاقول، فسار المعتمد لحربه.
وقَالَ أبو الفَرَج الكاتب: نهض الخليفة لمحاربة الصّفّار، ولم تزل كُتُبه تصل إِلَى الخليفة بالمراوغة ويقول: إنّي قد علمت أنّ نهوض أمير المؤمنين يشرّفني وينبّه على موقعي منه. والخليفة يرسل إليه ويأمره بالانصراف، ويحذَّره سوء العاقبة. ثُمَّ عبّى الخليفة وجيشه، وأرسلوا المياه على طريق الصّفّار، فكان ذلك سبب هزيمته، فإنّهم أخذوا عليه الطّريق وهو لا يعلم. والتحم القتال، ثُمَّ انهزم الصّفّار وغنموا خزائنه. وتوهَّم النّاس أنّ ذلك حيلة منه ومكرًا، ولولا ذلك لاتّبعوه. ورجع المعتمد منصورًا مسرورًا.
وخلص من أسر الصّفّار يومئذٍ محمد بْن طاهر أمير خُراسان، وجاء فِي قيوده إِلَى الخليفة، فخلع عليه خلْعةً سلطانية.
وقِيلَ إنّ بعض جيش يعقوب كانوا نصارى على أعلامهم الصُّلبان.