قَالَ ابنُ الَأعرابي: لم يبلُغْنا أنّه كان في عصره أحد يُقَدَّم عليه فِي العلم بهذه المذاهب، وكان مع ذلك ملازمًا لسوقه وتجارته. يركب الحمار ويدلّل فِي العطّارين غير متمكن من الدُّنيا منحلّ، غير أنّه يرِد فِي هَذِهِ المذاهب حَتَّى ناب عن غيره، وتَلْمَذَ له من كان بالبصرة ممّن هُوَ أحسن منه.
وكان البغداديون يدخلون البصرة يقصدون كلٌّ منهم محمد بن وهب، ويعقوب الزّيّات، وزريق النّفّاط، وغيرهم.
وكان ظاهره مظاهر التّجار والعامّة منبسطًا معهم، فإذا تكلَّم كان غير ذلك. أخبرني محمد بْن عليّ: سمع أَبَا حَمْزَةَ الْبَغْدَادِيّ: ربّما ذكر أبو حاتم، وكان يتكلم يوم الجمعة، فيقول فِي كلامه: لا تسألوني عن حالي، واعْفوا لي عن نفسي. حسابي على غيركم. اجعلوني كالفتيل أحرق نفسي وأُضيء لكم. وكان لا يظهر عليه خشوع ولا تنكيس رأس ولا لباس. وكان من أَهْل السُّنَّة والإتقان، يُزْري على الغسّانيّة وأهل الأوراد وأخْذِ المعلوم، كما يذمّ أَهْل الدُّنيا ومن يأوى إِلَى الأسباب.
يقول: من لم يعبد الله الغالب على قلبه، فإنّما يعبد هواه ونفسه.
وكان يقول: من ذكر الله نسي نفسه. ومن ذكر نعمة الله نسي عمله.
وكان يقول، إذا رَأَى عليهم الفُوَط والّأبْراد والصوف، وهم يُصَلّون: قد نشرتم أعلامكم وضربتم طُبُولكم، فليت شعري فِي اللّقاء أيّ رجال أنتم؟ قال زريق النّفّاط، أو غيره: رَأَيْت أَبَا حاتم بيده عطْر يعرضه للبيع، فسألته عن مسألة، فقال: لكلّ مقامٍ مقال، ولكن اصْبِر حَتَّى أفرغ. وكان إذا فرغ جلس يوم الجمعة، اجتمع إليه الصُّوفيّة وأصحاب الحديث والغُرَباء، وعامّة، مسجد البصرة، وجميع الطبقات.
وكان الّذين يلزمون حلقته: ابنُ الشُّويطيّ. وأبو سَعِيد الغَنَويّ، والمَرْزُوقيّ. وكان الغَنَويّ يميل إِلَى شيءٍ من الكلام ويعرفه.