للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فأخذهم بالرّغبة والرّهبة فأنكروا، ففُرِّقوا في بيوت، وجيء بالسياط وضُربوا مفرَّقين، ثُمَّ دار بنفسه عليهم، وبقي يَقُولُ للواحد: قد اعترف صاحبك بعد ما هلك، فلا تحوج نفسك إلى ما حل به، فأقروا وأحضروا الخرج والبغلة والثياب، لم تنقص سوى سبعة دنانير. فأتمها إِبْرَاهِيم من ماله، وأعطاني غلامًا، وخفرني بناسٍ إلى طرابلس، فَلَمَّا عبرنا على الموضع الذي أخذت فيه وجدت السبعة فوارس على الخشب، والكلاب تأكل من أقدامهم.

وَقِيلَ إنه جاءه برجلٍ، في يده سكين، وثيابه ملطخة بالدماء، فقال: ما لهذا؟

قالوا: أبونا لصلاة الصُّبح، فوُجد في الطريق مذبوحًا، وَهَذَا قائمٌ عنده هكذا.

فَقَالَ: أقتلت؟ قَالَ: نعم.

قَالَ: اذهبوا به فاقتلوه.

وَقَالَ: إن اخترتم أن أودي عنه الديةَ، وأوليكم شيئًا فعلت.

قَالُوا: ما نريد إِلا القصاص.

وراحوا به، فَلَمَّا هموا بقتله برز رجل من الحلقة وَقَالَ: والله ما هَذَا قتله، وأنا قتلته.

فرجعوا به، فأقرّ عند الأمير، فَقَالَ لِذَلِكَ: وما الذي ألجأك إلى الإقرار؟ قَالَ: أصلح الله الأمير، عبرت فوجدت أبوهم يضطرب والسكين في نحره، فخطر لي أنني إن أزلت السكين من نحره ربما سلم. فأزلتها فمات والسكين في يدي، والدم على ثوبي، فرأيت الإقرار أولى من العذاب بالضّرب والمُثلة.

فَقَالَ الأمير: وَهَذَا أيضًا إن أخذتم أخذ الدية وأن أوّليكم فعلت.

قَالُوا: ما نريد إِلا القود.

ثم راحوا ليقتلوه، فبدرهم من الحلقة وَقَالَ: والله ما قتله الأول ولا الثاني، وما قتله إِلا أنا.

فردوا إلى الأمير، وزاد التعجُّب، فَقَالَ: لِذَلِكَ: أقتلته؟ قَالَ: لا والله.

قَالَ: فما أحوجك إلى الإقرار؟ قَالَ: إني كنت في شبابي مسرفًا على نفسي،