للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وذكر أن حوقل قال: ظهر من إقليم فارس الحسين بن منصور الحلاج، زعم أنه من هذب في الطاعة جسمه، وشغل بالأعمال الصالحة قلبه، وصبر على مفارقة اللذات، ومنع نفسه عن الشهوات يترقى في درج المصافاة حتّى يصفو عن البشرية طبعُه، فإذا صفى حلّ فيه روح الله الذي كان منه إلى عيسى ابن مريم عليه السّلام، فيصير مطاعًا، يقول للشيء: كن فيكون فكان الحلاج يتعاطى ذلك، ويدعو إلى نفسه، حتّى استمال جماعة من الوزراء والأمراء، وملوك الجزيرة والجبال والعامة.

وقال أبو الفرج بن الجوزي: قد جمعت كتابًا سمّيته "القاطع لِمُحَال اللّجاج بحال الحلاج"١، وقال: قد كان هذا الرجل يتكلم بكلام الصُّوفيّة، فتندر له كلمات حِسان، ثمّ يخلطها بأشياء لَا تجوز.

وكذلك أشعاره، فقال: فمنها:

سبحان من أظهر ناسوتُهُ ... سِرَّ سَنا لاهُوتِه الثّاقبِ

ثمّ بدا في خلقِه ظاهرًا ... في صورة الآكل والشارب

حتّى لقد عايَنَهُ خَلْقُهُ ... كَلَحْظَةِ الحاجِبِ بالحاجِبِ٢

قال: ولمّا حبس ببغداد استغوى جماعةً، فكانوا يستنشقون بوله، ويقولون: إنّه يُحيي الموتى.

وقال ثابت بن سنان: انتهى إلى حامد بن العبّاس في وزارته أمرُ الحلاج، وأنّه قد موَّه على جماعةٍ من الخَدَم والحَشَم وأصحاب المقتدر، وعلى خَدَم نصر بن الحاجب بأنّه يُحْيِي الموتى، وأنّ الْجِنّ يخدمونه ويُحْضرون إليه ما يريد. وأنّ حَمْد بن محمد الكاتب قال: إنّه مرض فشربَ بَوْلَه، فعُوفي، وكان محبوسًا بدار الخلافة٣.

وَسُعِيَ إلى حامد برجل يُعرف بالسّمّريّ وبجماعة، فقبض عليهم وناظرهم، فاعترفوا أنّ الحلاج إله وأنّه يُحْيِي الموتى. ووافقوا الحلاج وكاشفوه فأنكر٤.


١ المنتظم "٦/ ١٦٢".
٢ ديوان الحلَّاج "٤١"، والبداية والنهاية "١١/ ١٣٤".
٣ تاريخ بغداد "٨/ ١٣٢".
٤ تاريخ بغداد "٨/ ١٣٣"، ونهاية الأرب "٢٣/ ٥٩".