للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فقال له أبو عُمَر القاضي: هذا فيه نقض شرائع الإسلام.

ثمّ جاراه في الكلام إلى أن قال له أبو عُمَر: يا حلال الدّم، من أيَّ كتابٍ نقلت هذا؟ قال: من كتاب "الإخلاص" للحَسَن البصْريّ.

قال: كذبت يا حلال الدّم، فقد سمعنا الكتاب، وليس فيه شيء من هذا١.

فقال حامد لأبي عُمَر القاضي: قد أفتيت أنه حلال الدّم، فضع خطَّك بهذا. فدافعَ ساعةً، فمدّ حامد يده إلى الدَّواة وقدّمها للقاضي وألحّ عليه، فكتب بأنّه حلال الدّم، وكتب الفُقَهاء والعُلماء بذلك خطوطهم، والحلاج يقول: يا قوم، لَا يحلّ لكم إراقةُ دمي.

فبعث حامد بخطوطهم إلى المقتدر، وأستأذنه في قتله، فتأخّر عنه الجواب، فخاف أن يبدو للمقتدر فيه رأي لِما قد استمال من الخواصّ بزُهْده، وتعبُّده في الحبْس، فنفَّذ إلي المقتدر أنّه قد ذاع كُفْره وادّعاؤه الرُّبوبيّة، وإنْ لم يقتل افتتن الناس، وتجرأ قومُ على الله تعالى وَالرُّسُلِ.

فأذِن المقتدر في قتله. وطلبَ حامدُ صاحبَ الشرطة محمد بن عبد الصَّمد، وأمره أن يضربه ألف سَوط، فإنْ ماتّ وإلّا يقطع يديه ورِجْليه.

فلمّا كان يوم الثلاثاء لستِّ بقين من ذي القعدة أُحضِر الحلاج مقيَّدًا إلى باب الطّاق، وهو يتبختر بقيده ويقول:

حبيبي غير منسوب ... إلى شيء من الحيفِ

سقاني مثل ما يشربُ ... فعلَ الضيف بالضيف

فلما دارت الكاسُ ... دعا بالنطع والسيف

كذا من يشرب الراح ... مع التِّنِّين في الصيف٢

فضُرب ألف سوط، ثم قطعت يده ورجله، ثم حز رأسه وأحرقت جثته٣.


١ راجع وفيات الأعيان "٢/ ١٤٣".
٢ ديوان الحلاج "ص/ ٧٣"، والمنتظم "٦/ ١٦٤".
٣ خبر صحيح: أخرجه الخطيب "٨/ ١٢٠، ١٢٧، ١٣٨، ١٣٩"، كما في التاريخ، ونشوار المحاضرة "٦/ ٨٧-٩١"، وأورد ابن الجوزي "٦/ ١٦٣، ١٦٤"، كما في المنتظم، ووفيات الأعيان "٢/ ١٤٣-١٤٥" لابن خلكان، وشذرات الذهب "٢/ ٢٥٥"، لابن العماد، والفخري "٢٦١"، وغيرهم.