للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فما أعلاه؟ ليس لك إليه سبيل، ولكنْ سترى غدًا ما يجري، فإنّ في الغَيْب ما شهدتَه وغابَ عنك.

فلمّا كان بالعِشيّ جاء الإذْن من الخليفة بأن تُضرب رَقَبَتُه، فقالوا: قد أمسينا ويؤخّر إلى الغَداة.

فلمّا أصبحنا أُنْزل وقُدِّم لتُضْرب رقبته، فسمعتُه يصيح ويقول بأعلى صوته: حَسْب الواحِد إفرادُ الواحد له. وقرأ هذه الآية: {يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَق} [الشورى: ١٨] وهذا آخر كلامه.

ثم ضُربت رَقَبَتُه، وعُلِّق في بارية، وصب عليه النِّفْط وأُحْرِق، وحُمل رماده إلى رأس المنارة لتسْفيه الرّياح١.

وسمعت أحمد بن فاتك تلميذ والدي يقول بعد ثلاثٍ من قتل والدي، قال: رأيت العزّة في المنام، وكأنّي واقفُ بين يديه قلت: يا رب ما فعلَ الحسين بن منصور؟ قال: كاشفته بمعنى، فدعا الخلْقَ إلى نفسه، أنزلتُ به ما رأيت٢.

قال ابن باكُوَيْه: سمعتُ أبا القاسم يوسف بن يعقوب النُّعْمَانيّ يقول: سمعت الإمام ابن الإمام أبا بكر محمد بن داود الفقيه الإصبهانيّ يقول: إن كان ما أنزل الله على نيّته حقّ فما يقول الحلاج باطل. وكان شديدًا عليه.

قال: وسمعت أبا الفوارس الْجُوزَقانيّ بقَرْمِيسِين: سمعت إبراهيم بن شيبان يقول: من أحب أن ينظر إلى ثمرات الدّعاوى فلْيَنْظُر إلى الحلاج وما جرى عليه.

سمعتُ عيسى القَزْوينيّ سأل أبا عبد الله بن خفيف: ما تعتقدون في الحلاج؟ فقال: اعتقد فيه أنّه رجل من المسلمين فقط.

فقال له: قد كفّره المشايخ وأكثر المسلمين! فقال: إن كان الّذي رأيته منه في الحبْس لم يكن توحيدًا، فليس في الدّنيا توحيد.

قلت: قول ابن خفيف لَا يدّل على شيء، فإنّه لَا يلزم أنّ المبطِل لَا يعمل بالحقّ؛ بل قد يكون سائر عمله حقّ وعلى الحقّ، ويكفر بفِعْلةٍ واحدة، أو بكلمة تحبط عمله.


١ تاريخ بغداد "٨/ ١٤٠".
٢ سير أعلام النبلاء "١١/ ٣٤٧".