دجلة مَعَ الأشراف بكسكر وغيرها سنين، في دولة ابن الفُرات. فكان يعمّر ويربح ويحسن إلى الأكارين ويرفع المؤن حتّى صار لهم كالأب. وكثرت صدقاته.
وقيل: إنّه وزر وقد علت سنة، ثمّ تحدثّ الأمراء بما في حامد من الحدة وقلة الخبرة بأمور الوزارة، فعاتب المقتدر أبا القاسم بْن الحواري، وكان أشار بهِ.
ونقل ابن النّجّار أنّ حامدًا أضيف إِلَيْهِ في الأمور عليّ بْن عيسى.
قَالَ الصُّوليّ: فجلس عليّ بْن عيسى في دار سليمان بْن وهْب وفعل كما يفعل الوزراء. واشتغل حامد بمصادرة ابن الفُرات. وقد وقعت بينه وبين ابن عيسى مشاجرات ومناظرات في الأموال، فقيل:
أعجبُ مِن كلّ ما تراه ... إنّ وزيرين في بلادِ
هذا سوادٌ بلا وزير ... وذا وزيرٌ بلا سوادِ
واستخرج حامد من المحسّن ولد أَبِي الحَسَن بْن الفُرات ألف ألف دينار، وعذَّبه. فلمّا فرغ من المصادرة بقي بلا عمل سوى اسم الوزارة والركوب يومي الموكب. وسقطت حرمته عند المقتدر، وبان لَهُ أنّ لَا فائدة منه، فأفرد ابن عيسى بالأمور. واستأذن حامد المقتدر في أنّ يضمن إصبهان والسّواد وبعض المغرب، فأذن لَهُ حتّى قيل في ذَلِكَ:
أنظر إلى الدَّهْر ففي عجائبِهْ ... معتبرٌ يُسليك عَنْ نوائبهْ
وتُؤيِس العاقلَ عَنْ رغائبِهْ ... حتّى تراه حذرًا من جانبهْ
صار الوزيرُ عاملًا لكاتبهْ ... يأملُ أنّ يرفقَ في مطالبهْ
ليستدر النفع من مكاسبهْ
قَالَ أبو عليّ التّنُوخيّ: حدَّثني أبو عبد الله الصَّيْرفيّ: حدَّثني أبو عليّ القَنَويّ التّاجر قَالَ: ركب حامد بْن العبّاس قبل الوزارة بواسط إلى بستان لَهُ، فرأى شيخًا يُوَلْول وحولهُ نساء وصبيان يبكون، فسأل عَنْ خبرهم، فقيل: احترق منزله وقماشه وافتقر، فرق لَهُ ووَجَمَ لَهُ، وطلب وكيله وقال: أريد منك أنّ تضمن لي أنّ لَا أرجع العشيّة من النُّزهة إلّا وداره كما كانت مجصَّصة، وبها القماش والمتاع والنّحاس أفضل ممّا كَانَ، وكسوة عياله مثل ما كَانَ لهم.