فأسرع في طلب الصُّنّاع، وبادروا في العمل، وصبَّ الدّراهم، وأضعف الأجر، وفرغوا من الجميع بعد العصر. فلمّا ردّ حامد وقت العتْمة شاهدها مفروغةً بآلاتها وأمتعتها الْجُدد، وازدحم الخلْق يتفرجون، وضجوّا لحامد بالدّعاء.
ونال التّاجر من المال فوق ما ذهبَ لَهُ، ثمّ زاده بعد ذَلِكَ كلّه خمسة آلاف درهم ليقوى بها في تجارته١.
وقيل: إنّ رجلًا دخل واسطًا في شغل، واشترى خبزًا بدينار ليتصدق بهِ، وجلس يراعي فقيرًا يعطيه منه، فقال لَهُ الخباز: إنك لَا تجد أحدًا يأخذه منك؛ لأنّ جُمَيْع ضعفاء البلد في جراية حامد، لكلّ واحدٍ رطْل خبز ودانق فضّة.
وقيل: إنّه يقدَّم، وهو وزير، عَلَى موائده بين يدي كل رجل جدي، لَا يشاركه أحد.
قَالَ الصُّوليّ: كَانَ حامد قليل الرَّغْبة في استماع الشِّعْر، إلّا أَنَّهُ كَانَ سخيًا، جميل الأخلاق، كثير المزح. وكان إذا خولفَ في أمرٍ يصيح ويَحْرَد. فَمَن داريَ مزاجه انتفع بهِ.
قَالَ إبراهيم نِفْطَوَيْه: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: قِيلَ لبعض المجانين: في كم يتجنّن الإنسان؟
قَالَ: ذاك إلى صبيان المحلّة.
وكان حامد ثالث يوم من وزارة المقتدر قد ناظر ابن الفُرات، وجَبَهَه وأفحش لَهُ، وجذب بلحيته، وعذب أصحابه. فلمّا انعكس الدَّسْت ووَزَر ابن الفُرات تنمَّر لحامد، فليم حامد فقال: إنّ كَانَ ما عملته معكم من الأحوال السيئة بكم أثر لي خيرًا فزيدوا منه، وإن كَانَ قبيحًا، وهو الّذي أصارني إلى التمكُّن منّي، فالسعيد من وعظ بغيره.
وبعد أنّ استصفاه دَسَّ مَن سقاه سُمًّا في بيضٍ، فأتلفه إسهالٌ مُفْرِط.
نِفْطَوَيْه: نا حامد بْن العبّاس الوزير: حدَّثني سند بْن عليّ، قَالَ: كنتُ بين يدي المأمون، فعطس فلم نُشَمِّتْه.
فقال: لِمَ لَمْ تشمِّتَاني؟ قُلْنَا: أجللناك يا أمير المؤمنين.
قَالَ: لستُ من الملوك التي تتحال عَنِ الدّعاء.
قُلْنَا: يرحمك اللَّه. قَالَ: يغفر الله لكما.
١ انظر: المنتظم "٦/ ١٨٢، ١٨٣".