الإِسلام عَلَى سلْمى وكلثوم وذُؤَيْب بني الأسود بْن رَزْن الدّيليّ، وهم مَنْخَر بني كِنانة وأشرافهم، فقتلوهم بعَرَفَة.
فبينا بنو بَكْر وخُزاعة عَلَى ذَلِكَ حَجَز بينهم الْإِسْلَام، وتشاغل النّاس بِهِ. فلمّا كَانَ صُلح الحُدَيْبية بين رَسُول لله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين قريش، كَانَ فيما شرطوا لرَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَرَطَ لهم أنّه مَن أحبَّ أنَّ يدخل في عقد رسول الله وعهده فليدخل فيه ومن أحبَّ أنَّ يدخل فِي عقد قريش وعهدهم فلْيدْخل فِيهِ. فدخلت بنو بَكْر فِي عقد قريش، ودخلت خُزاعة فِي عقد رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مؤمنُها وكافرُها.
فلمّا كانت الهدنةُ اغتنمها بنو الدّيْل؛ أحد بني بَكْر من خُزاعة؛ وأرادوا أنَّ يصيبوا منهم ثأرًا بأولئك الإِخوة, فخرج نوفل بْن معاوية الدِّيليّ فِي قومه حتّى بيت خُزاعة عَلَى الوَتِير، فاقتتلوا.
ورَدَفَتْ قريشٌ بني الديل بالسلاح، وقومٌ من قريش أعانت خُزاعة بأنفسهم، مُسْتَخفين بذلك، حتّى حازوا خُزاعة إلى الحَرَم. فقال قومُ نوفل: اتقِ إلهك ولا تَسْتَحِلّ الحَرَم. فقال: لا إله لي اليوم، والله يا بني كِنانة إنّكم لَتَسْرِقون فِي الحَرَم، أفلا تصيبون فِيهِ ثأركم؟ فقتلوا رجلًا من خُزاعة, ولجأت خُزاعة إلى دار بُدَيْل بْن وَرقاء الخُزَاعي، ودار رافع مولى خُزاعة.
فلمّا تظاهر بنو بَكْر وقريش عَلَى خُزاعة، كَانَ ذَلِكَ نقْضًا للهُدنة التي بينهم وبين رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وخرج عَمْرو بْن سالم الخُزاعيّ فقدم عَلَى النَّبِيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي طائفةٍ مستغيثين بِهِ، فوقف عَمْرو عَلَيْهِ، وهو جالس فِي المسجد بين ظَهْرَيِ النّاس, فقال:
يا ربّ إنّي ناشدٌ محمَّدا ... حلف أبينا وأبيه الأْتلَدا
قد كنتُمُ ولدًا وكنّا والدا ... ثمت أَسْلَمنا فلم ننزعْ يَدَا
فانصُرْ هَدَاك اللَّه نَصْرًا أعْتَدَا ... وادع عبادَ اللَّه يأتُوا مَدَدا
فيهم رَسُول اللَّهِ قد تجرَّدا ... إنْ سِيمَ خسفًا وجهه تَرَبّدَا
فِي فيلق كالبحر يجري مُزْبدا ... إنّ قُريشًا أَخْلفوك المَوْعِدا
ونقضوا ميثاقَكَ المُؤَكَّدا ... وجعلوا لي فِي كَدَاءَ رَصَدا
وزعموا أنْ لستُ أدعو أحدَا ... وهم أذَلُّ وأقَلُّ عَدَدا