للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هم بَيَّتُونا بالوَتِير١ هُجَّدا ... وقتلونا رُكَّعًا وسجدا

فانصُرْ هداكَ اللَّه نصرًا أيّدا

فَقَالَ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "نُصِرْتَ يا عَمْرو بْن سالم".

ثمّ عُرِضَ لرَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنان من السّماء، فقال: "إنّ هذه السحابة لتستهلّ بنصر بني كعب" ٢؛ يعني خُزاعة. ثمّ قدم بُدَيل بْن وَرْقاء فِي نفرٍ من خُزاعة عَلَى النّبيّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه. وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كأنّكم بأبي سُفْيَان قد جاءكم ليشدّ العقْد ويزيد فِي الْمُدَّةِ". ومضى بُدَيْل وأصحابه فلقوا أَبَا سُفْيَان بْن حرب بعُسْفان، قد جاء ليشدّ العقد ويزيد فِي المدّة، وقد رهبوا الَّذِي صنعوا. فلمّا لقى بُدَيْل بْن وَرْقَاء قَالَ: من أَيْنَ أقبلت يا بُدَيْل؟ وظنّ إِنَّهُ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فقال: سرتُ في خزاعة على الساحل. قال: أوما جئتَ محمّدًا؟ قَالَ: لا. فلمّا راح بُدَيْل إلى مكة, قَالَ أَبُو سُفْيَان: لئن كَانَ جاء إلى المدينة لقد علف بها النَّوى. فأتى مَبْرَكَ راحلته ففتَّه فرأى فِيهِ النَّوى, فقال: أحلِفُ بالله لقد أتى محمَّدًا.

ثمّ قدِم أبو سُفْيَان المدينةَ فدخل عَلَى ابنته أمّ حبيبة أمّ المؤمنين, فلمّا ذهب ليجلس على فراش رسول الله -صلى الله عليه وَسَلَّمَ- طوَتْه عَنْهُ، فقال: ما أدري أَرَغِبْتِ بي عَنْ هذا الفراش أم رغبت بِهِ عنّي؟ قالت: بل هو فراش رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْتَ رجلٌ مُشْرِكٌ نجس. قال: والله قد أصابك يا بُنَيَّةُ بعدي شَرٌّ٣.

ثمّ خرج حتى أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم يردّ عَلَيْهِ شيئًا. فذهب إلى أَبِي بَكْر فكلّمه أنَّ يكلّم لَهُ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: ما أنا بفاعل. ثمّ أتى إلى عُمَر فكلّمه فقال: أنا أشفع لكم إِلَى رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! فَوَالله لو لم أجد إلّا الذر لجالَدْتُكُم عَلَيْهِ. ثمّ خرج حتّى أتى عليًّا وعنده فاطمة وابنها الحَسَن وهو غلام يَدبّ، فقال: يا عليّ إنّك أَمَسُّ القوم بي رَحِمًا، وإنّي قد جئت فِي حاجةٍ فلا أرجعنّ كما جئت خائبًا، فاشفع لي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَقَالَ: ويْحَك يا أَبَا سُفْيَان! لقد عزم رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أمرٍ ما نستطيع أنَّ نكلّمه فِيهِ. فالتفت إلى فاطمة, فقال: يا ابْنَة مُحَمَّد، هَلْ لك أن


١ الوتير: بئر لقبيلة خزاعة بمكة.
٢ "سنده صحيح": أخرجه ابن إسحاق في "المغازي" وسنده صحيح، ورجاله ثقات صرح فيه ابن إسحاق بالتحديث، انظر: "الإصابة" لابن حجر "٢/ ٥٢٩" ترجمة عمرو بن سالم رقم "٥٨٣٧".
٣ "زاد المعاد" "٣/ ٣٩٦، ٣٩٧".