للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تأمري بُنَيَّكِ هذا فيجير بين النّاس فيكون سيّد العرب إلى آخر الدَّهر؟ قالت: والله ما بلغ بُنيَّ ذَلِكَ، وما يجير أحدٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ: يا أَبَا حَسَن! إنّي أرى الأمور قد اشتدّت عليّ فانصحني. قَالَ: والله ما أعلم شيئًا يغني عنك، ولكنك سيّد بني كِنانة، فقُم فأَجِرْ بين النّاس ثمّ الحقْ بأرضك. قال: أوترى ذَلِكَ مُغْنِيًا عنّي؟ قَالَ: لا والله ما أظنّه، ولكنْ لا أجد لك غيرَ ذَلِكَ. فقام أَبُو سُفْيَان فِي المسجد فقال: أيّها النّاس إنّي قد أجَرتْ بين النّاس. ثمّ ركب بعيره وانطلق, فلمّا قدِم عَلَى قريش، قالوا: ما وراءك؟ فقصّ شأنَه، وأنّه أجار بين النّاس. قالوا: فهل أجاز ذَلِكَ مُحَمَّد؟ قَالَ: لا. قالوا: والله إنْ زاد الرجلُ عَلَى أنْ لَعِبَ بك.

ثمّ أَمْرُ رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجهاز، وأمر أهله أنَّ يجهّزوه, ثمّ أعلم النّاس بأنّه يريد مكة، وقال: "الَّلهُمّ خُذْ العيونَ والأخبارَ عَنْ قريش حتّى نَبْغَتَهُم فِي بلادهم".

فعن عُرْوة وغيره قالوا: لما أجمع رَسُول اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّيْرَ إلى مكة، كتب حاطب بْن أَبِي بلتعة إلى قريش بذلك مَعَ امْرَأَة، فجعلته فِي رأسها ثم فَتَلَتْ عَلَيْهِ قُرُونها ثم خرجت بِهِ.

وأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الوحيُ بفعْله, فأرسل فِي طلبها عليًّا والزُّبير, وذكر الحديث١.

أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحَرَمِ الْقُرَشِيُّ وَجَمَاعَةٌ، قَالُوا: ثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى الْمَخْزُومِيُّ، ثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رِفَاعَةَ، أَنَا عَلِيُّ بْنُ الحسن الشافعي، أنا عبد الرحمن بن عمر بْنِ النَّحَّاسِ، أَنْبَأَ عُثْمَانُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمَرْقَنْدِيُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شَعْبَانَ، ثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عَنْ حَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي رَافِعٍ -وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيٍّ- قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: بَعَثَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ، قَالَ: "انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ ٢، فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً ٣ مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا".

فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى الروضة. قلنا: أخرجي الكتاب. قالت:


١ هذه القصة في "الصحيحين" أخرجها البخاري "٣٩٨٣" في المغازي، ومسلم "٢٤٩٤" في فضائل الصحابة.
٢ روضة خاخ: موضع بين الحرمين بقرب حمراء الأسد من المدينة. "معجم البلدان" "٢/ ٨٨".
٣ الظعينة هنا: الجارية، وأصلها الهودج، وسميت به الجارية؛ لأنها تكون فيه.