للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفقه، على مذهب مالك، وكان له مجلس يجتمع إليه المخالفون ويناظرون بحضرته، وكان يتوسّط الفقه بينهم، ويتكلّم بكلام سديد، ثم صُرِف بعد أربعة أشهر، ثم استُقْضِيَ على الشرقيّة سنة أربعٍ وثلاثين، وعُزِل منذ نحو خمسة أشهر.

وقال عبد الغني: سألت أبا الطَّاهر عن أوّل ولايته القضاء فقال: سنة عشرٍ وثلاثمائة، وقد كان ولي البصرة، وقال لي: كتبت العلم سنة ثمانٍ وثمانين ومائتين، ولي تسعُ سنين.

قال: وقرأ القرآن كلّه وله ثمان سنين، وكان مفوَّهًا حَسَنَ البديهة، شاعرا، حاضر الحُجّة، علَّامة عارفًا بأيّام النّاس، غزير الحِفْظ، لا يَمَلُّه جليسه من حُسْن حديثه، وكان كريمًا، ولي قضاء مصر سنة ثمانٍ وأربعين وثلاثمائة، وأقام على القضاء ثماني عشرة سنة.

قال الحافظ عبد الغني: وسمعت الوزير أبا الفرج يعقوب بن يوسف يقول: قال لي الأستاذ كافور: اجتمع بالقاضي أبو بكر البغدادي الطاهر فسلّمْ عليه، وقُلْ له: إنَّه بلغني أنّك تَنْبَسِط مع جُلَسَائك، وهذا الانبساط يُقِلُّ هَيْبَةَ الحُكم، فَأَعْلَمْتُهُ بذلك، فقال لي: قُلْ للأستاذ: لستُ ذا مالٍ أفيض به على جُلَسائي، فلا يكون أقلّ من خُلُقي، فأخبرتُ الأستاذَ فقال: لا تعاوِدْه، فقد وضع القَصْعَة.

قال عبد الغني: سمعت أحمد بن محمد بن سعرة، أنه سمع أبا بكر بن مُقَاتل يقول: أنفق القاضي أبو طاهر بيت مالٍ خلَّفَه له أبوه.

قال عبد الغني: لمَّا تلقَّى أبو الطّاهر القاضي المُعِزَّ أبا تميم بالإسكندريّة سأله المُعِزّ فقال: يا قاضي، كم رأيت من خليفة؟ قال واحدًا. قال: مَن هو؟ قال: أنت، والباقون مُلُوك، فأعجبه ذلك. ثم قال له: أحَجَجَتَ؟ قال: نعم. قال: وسلَّمت على الشَّيْخَيْن: قال: شغلني عنهما النبي -صلى الله عليه وسلم- كما شغلني "الخليفة" عن وليّ عهده، فازداد به المُعِزّ إعجابًا، وتخلّص من وليّ العهد؛ إذ لم يسلّم عليه بحضرة المُعِزّ، فأجازه المُعِزُّ يومئذ بعشرة آلاف دِرْهَم.

وحدّثني زيد بن علي الكاتب: أنشدنا القاضي أبو الطّاهر السَّدُوسي لنفسه:

إنّي وإنْ كنتُ بأمر الهَوَى ... غِرًّا فسِتْري غير مهتوك