للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أكني عن الحبّ ويبكي دَمًا ... قلبي ودمعي غير مَسْفُوكِ

فظاهري ظاهرُ مُسْتملكٍ ... وباطني باطنُ مَمْلُوكٍ

أخبرني أبو القاسم حُمار بن علي بصُور قال: أتيت القاضي أبا الطّاهر بأبيات قالها في ولده، فبكى وأنشدناها وهي:

يا طالبًا بعد قتل ... ي الحج لله نسكًا

تركتني فيك صبّا ... أبيك عليك وأبكي

وكيف أسْلُوك قُلْ لي ... أمْ كيف أصبر عَنْكا

روحي فِداؤك هذا ... جزاء عبدِك مِنْكا

حدّثني محمد بن علي الزَّيْنَبي، ثنا محمد بن علي بن نوح قال: كنّا في دار القاضي أبي الطّاهر نسمع عليه، فلمَّا قمنا صاح بي بعض من حضر: يا قاضي، وكان ابن نوح يلقَّب بالقاضي، فسمع القاضي أبو الطّاهر، فأنفذ إلينا حاجبه فقال: من القاضي فيكم؟ فأشاروا إليَّ، فلمَّا دخلت عليه قال لي: أنت القاضي؟ فقلت: نعم. فقال لي: فأنا ماذا؟ فسكتُّ، ثم قلتُ: هو لقب لي، فتبسَّم، فقال لي: تحفظ القرآن؟ قلت: نعم. قال: تَبِيتُ عندنا الليلة أنت وأربعةُ أنْفُسٍ معك، وتواعِدُهم مِمَّن تَعْلَمه يحفظ القرآن والأدب، قال: ففعلت ذلك، وأتيت المغرب فقدَّم إلينا ألوانٌ وحلوى، فلم يحضر القاضي، فلمَّا قارَبْنا الفراغ خرج إلينا القاضي يزحف من تحت ستْر، ومَنَعَنا من القيام، وقال: كُلُوا معي، فلم آكل بَعْدُ، ولا يجوز أن تَدَعُوني آكُل وحدي، فَعَرَفُنا أنّ الذي دعاه إلى بيتنا عنده غَمُّهُ على ولده أبي العبّاس، وكان غائبًا بمكّة، ثم أمر من يقرأ منّا، ثمّ استحضر ابن المقارعي وأمره بأن يقول. وقام جماعة منّا وتَوَاجَدُوا بين يديه، ثم قال شِعْرًا في وقته، وألقاه على ابن المقارعي يغنّي به، والشعر هو:

يا طالبًا بعد قتْلي

فبكى القاضي بكاءً شديدًا، وقدم ابنه بعد أيّام يسيرة، فقلت: هذا وما قبله من خطّ أمين الدّين محمد بن أحمد بن شهيد. قال: وجدت بخطّ عبد الغني بن سعيد الحافظ، فذكر ذلك.