وذكر ابن جرير في تاريخه من حديث عَمرو بْن معد يكرب عَنْ مطر بْن ثلج التميمي قَالَ: دخلت على عبد الرحمن بْن ربيعة بالباب وشهريران عنده، فأقبل رجل عليه شَحَوبة حتى دخل على عبد الرحمن فجلس إلى شهريران، وكان على مطر قباء برد يمني أرضه حمراء ووشيه أسود. فتسائلا، ثم إنّ شهريران قَالَ: أيها الأمير أتدري من أين جاء هذا الرجل؟ هذا رجل بعثُته نحو السّدّ منذ سنتين ينظر مَا حاله ومن دونه، وزوَّدْتُه مالًا عظيمًا، وكتبت له إلى مَن يليني وأهديت له، وسألته أن يكتب له إلى ما وراءه، وزوَّدْتُه لكل مَلِك هدية، ففعل ذلك بكل ملكٍ بينه وبينه، حتى انتهى إلى الملك الَّذِي السّدّ في ظهره، فكتب له إلى عامله على ذلك البلد فأتاه، فبعث معه بازيلره ومعه عُقابه وأعطاه حريرة، قَالَ: فلمّا انتهينا إذا جبلان، بينهما سد مسدود حتى ارتفع على الجبلين، وإن دون السُّدّ خندقًا أشدّ سوادًا من الليل لبعده، فنظرت إلى ذلك كله وتفرست فيه، ثُمَّ ذهبت لأنصرف، فَقَالَ لي البازيار على رِسلك أُكافِئك إنه لَا يلي ملِك بعد ملِكٍ إلا تقرب إلى الله بأفضل مَا عنده من الدنيا فيرمي به هذا اللهب، قَالَ: فشرّح بضعة لحمٍ معه وألقاها في ذلك الهواء، وانقضَّتْ عليها العقاب، وقال: إنْ أدركتها قبل أن تقع فلا شيء، فخرج عليه العُقاب باللحم في مخاليبه، فإذا قد لصق فيه ياقوتَةٌ فأعطانيها وها هي ذِه، فتناولها شهريران فرآها حمراء، فتناولها عبد الرحمن ثُمَّ ردّها، فَقَالَ شهريران: إنّ هذه لخيرٌ من هذا -يعني الباب- وأيْمُ اللَّهِ لأنتم أحبّ إلي ملكةً من آل كِسْرى، ولو كنت في سلطانهم ثُمَّ بلغهم خبرها لانتزعوها منيّ، وَايْمُ اللَّهِ لَا يقوم لكم شيء ما وفيتم أوفى مَلِكُكُم الأكبر.
فأقبل عبد الرحمن على الرسول وَقَالَ: مَا حال السّدّ وما شبهه؟ فَقَالَ: مثل هذا الثوب الَّذِي على مطر، فَقَالَ مطر: صَدَقَ واللِه الرجلُ لقد بَعَّد ورأى ووصف صفة الحديد والصُّفْر.
فَقَالَ عبد الرحمن لشهريران: كم كانت قيمة هاتيك؟ قَالَ: مائة ألف في بلادي هذه، وثلاثة آلاف ألف في تلك البلدان.
وحدث الترجمان قَالَ: لمّا رأى الواثق بالله كأن السد الذي بناه ذو القَرْنَيْن قد فُتِح وجَّهني وَقَالَ لي: عاينْه وجئني بخبره، وضمّ إليَّ خمسين رجلًا، وزوّدنا، وأعطانا مائتي بغلٍ تحمل الزاد، فشخِصْنا من سامرّا بكتابه إلى إسحاق