وهو بتفْلِيس، فكتب لنا إسحاق إلى صاحب السرير، وكتب لنا صاحب السرير إلى ملك الّلان، وكتب لنا ملك الّلان إلى فيلانشاه، وكتب لنا ملك الخَزَر، فوجَّه معنا خمسة أدلَّاء، فسرنا من عنده ستةً وعشرين يومًا، ثُمَّ صرنا إلى أرض سوداء منتنة، فكنا نشتم الخل، فسرنا فيها عشرة أيام، ثُمَّ صرنا إلى مدائن خرابٍ ليس فيها أحد، فسرنا فيها سبعةً وعشرين يومًا، فسألْنا الأدِلّاء عَنْ تلك المدن فقالوا: هي التي كان يأجوج ومأجوج يطرقونها فأخربوها. ثُمَّ صرنا إلى حصونٍ عند السّدّ بها قوم يتكلمون بالعربية والفارسية، مسلمون يقرءون القرآن، لهم مساجد وكتاتيب، فسألونا، فَقَالَ: نحن رُسُل أمير المؤمنين، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين! فتقول: نعم، فقالوا: شيخٌ هو أم شاب -قلنا: شاب، فقالوا: أين يكون- فقلنا: بالعراق بمدينة يقال لها سُرَّ مَن رأى، فقالوا: مَا سمعنا بهذا قط.
ثُمَّ صرنا إلى جبلٍ أملس ليس عليه خضراء، وإذا جبل مقطوع بوادٍ عرضه مائة ذراع، فرأينا عضادَتَيْن مبنيَّتَيْن ممّا يلي الجبل من جنبتي الوادي عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعًا، الظاهر من تحتها عشرة أذرُع خارج الباب، وكله بناء بلبن من حديد في نُحاس في سَمْك خمسين ذراعًا، قد ركب على العضادتين على كل واحدة بمقدار عشرة أذرُع في عرض خمسة، وفوق الدروَنْد بناء بذلك اللَّبن الحديد إلى رأس الجبل، وارتفاعه مدُّ البصر، وفوق ذلك شُرَف حديدٍ لها قرنان يَلِجُ كلُّ واحدٍ منهما إلى صاحبه، وإذا باب حديدٍ له مِصْراعان مغلقان عرضهما مائة ذراع في طول مائة ذراع في ثخانة خمسة أذرع. وعليه قُفْلٌ طوله سبعة أذْرُع في غِلَظ باع، وفوقه بنحو قامتين غلْقٌ طوله أكثر من طول القُفْلِ، وقفيزاه كلّ واحدٍ منهما ذراعان، وعلى الغلْق مفتاح معلَّق طوله ذراع ونصف، في سلسلةٍ طولها ثمانية أذرُع، وهي في حلقة كحلقة المنجنيق.
ورئيس تلك الحصون يركب كلّ جمعة في عشرة فوارس، مع كلّ فارس مِرْزبَّةٌ من حديد فيضربون الْقُفْلَ بتلك المرَازِب ثلاث ضربات، يسمع من وراء الباب الضرب فيعلمون أن هناك حفظة، ويعلم هؤلاء أنّ أولئك لم يُحْدِثُوا في الباب حدثًا، وإذا ضربوا القفل وضعوا آذانهم يستمعون، فيسمعوا دويًّا كالرعد.