وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير، ومع الباب حصنان يكون مقدار كل واحدٍ منهما مائتي ذراع، في مائتي ذراع، وعلى باب كلّ حصن شجرة، وبين الحصنين عين عذبة، وفي أحد الحصنين آله بناء السّدّ من قُدُور ومَغارف وفضْلة الّلبن قد التصق بعضُه ببعضٍ من الصَّدأ، وطول الَّلبنة ذراع ونصف في مثله في سمْك شِبْر. فسألنا أهل الموضع هل رأوا أحدًا من يأجوج ومأجوج، فذكروا أنّهم رأوا مرَّةً أعدادًا منهم فوق الشُرَف، فهبّت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم، وكان مقدار الرجل منهم شبرًا ونصف، فلمّا انصرفنا أخذ بنا الأدِلَّاء، إلى ناحية خُراسان، فسِرنا إليها حتى خرجنا خلف سَمَرْقَنْد بتسعة فراسخ، وكان أصحاب الحصون زوَّدونا مَا كفانا.
ثُمَّ صرنا إلى عبد الله بْن طاهر. قَالَ سلام التِّرْجُمان: فأخبرتُهُ خَبَرَنا، فوصلني بمائة ألف دِرْهم، ووصل كلَّ رجلٍ معي بخمسمائة درهم، ووصلنا إلى سُرَّ من رأى بعد خروجنا منها بثمانية وعشرين شهرًا. قَالَ مصنّف كتاب "المسالك والممالك": هكذا أملى عليَّ سلام التِّرْجُمان.
سَنَة ثَلَاث وَعشِرْين:
فيها: بينما عُمَر -رضي الله عنه- يخطب إذ قَالَ: يا ساريةُ الجبلَ، وكان عُمَر قد بعث سارية بْن زُنيم الدّئليّ إلى فَسَا ودارا بَجِرد فحاصرهم، ثمّ إنّهم تداعوا وجاءوه من كل ناحية والتقوا بمكان، وكان إلى جهة المسلمين جبل لو استندوا إليه لم يُؤتوا إلا من وجه واحد، فلجئوا إلى الجبل، ثُمَّ قاتلوهم فهزموهم. وأصاب سارية الغنائم فكان منها فسط جوهر، فبعث به إلى عُمَر فردّه وأمره أن يقسّمه بين المُسْلِمين، وسأل النَّجّاب أهل المدينة عَنِ الفتح وهل سمعوا شيئًا، فَقَالَ: نعم "يا سارية الجبل الجبلَ" وقد كِدْنا نهلك، فلجأنا إلى الجبل، فكان النّصر. وَيُرْوَى أنّ عُمَر سُئل فيما بعد عَنْ كلامه "يا سارية الجبل" فلم يذكره.
وفيما كان فتح كَرمان، وكان أميرها سُهَيْل بْن عَدِيّ. وفيها فتحت سجِسْتان، وأميرها عاصم بْن عمرو. وفيها فتحت مُكْران، وأميرها الحَكَم بْن عثمان، وهي من بلاد الجبل.
وفيها رجع أَبُو موسى الأشعري من أصبهان، وقد افتتح بلادها.