وضلّلها صُبحٌ جلا ليلِهُ الدُّجا ... وقد كان يهديها إليَّ دُجاهَا
وفي أوّل شأنه عمل هذه القصيدة، ومدح بها المنصور. فتكلّموا فيه واتهموه بسرِّقة الشِّعر، فقال في المجلس لوقته:
حسْبي رضاكَ من الدَّهرِ الّذي عَتَبَا ... وعطفُ نُعْماكَ للحظِّ الذي انقلبا
ولستُ أوّلُ من أَعيْت بدائَعهُ ... فاستدْعتِ القولَ ممّن ظنَّ أو حسبا
إنّ امرءَ القيسِ في بعضٍ لمتهمٌ ... وفي يديهِ لواءُ الشِعرِ "إنْ ركِبا
والشِّعر قد أَسَرَ الأعشى وقيدهُ ... دهرًا، وقد قِيلَ: "والأعشى إذا شَرِبا
وكيفِ أظمأُ وبحري زاخِرٌ فِطَنًا ... إلى خيالٍ من الضّحْضَاحِ قد نَضَبَا
عبدٌ لنُعْماك فكَّيه نجمُ هُدى ... سار بمدْحِكَ يجْلُو الشَّكَّ والرِّيَبَا
إنْ شئتَ أملَى بديعَ الشِّعرِ أو كَتَبَا ... أو شئتَ خاطبَ بالمنثورِ أو خَطَبا
كروضةِ الحُزنِ أهدى الوشي منظرها ... والماءَ والزَّهرَ والأنواءَ والعُشبا
أو سابق الخَيْل أعطى الحضر متئدًا ... والشدَّ والكرَّ والتقريبَ والخَبَبا
وله في ذي الرئاستين منذر بن يحيى صاحب سَرَقُسْطَة:
قُلْ للرَّبيعِ: اسحبْ مُلاء سَحائبي ... واجرُر ذُيولك في مَجَرّ ذَوَائبي
لا تكذِبنّ ومن ورائك أدْمُعي ... مَدَدًا إليكَ بفيضِ دمعٍ ساكبِ
وامزُج بطِيبِ تحيّتي غدْق الحَيَا ... فاجعله سقي أحِبّتي وحبائبي
واجْنَح لقُرطبةَ فعانقْ تُربهَا ... عنّي بمثل جوانحي وتَرَائبي
وانشرْ على تلك الأباطِح والرُّبا ... زهرًا يخبّر عنك أنكَ كاتبي
وهي طويلة وله فيه:
يا عاكفين على المُدامِ تنبَّهوا ... وسَلوا لساني عن مكارم منذرِ
ملكٌ لو استوهبتُ حبةَ قلْبهِ ... كَرَمًا لجَادَ بها ولم يتعذّرِ
وله ديوان مشهور. وقد توفي في سادس جُمَادى الآخرة، وله أربعٌ وسبعون سنة.