ثالثًا: صور سماحة الإسلام ويسره في صورة أدبية أخرى، وفي تعبير بليغ مؤثر، يدل على التوسط والاعتدال، مصداقًا لقوله تعالى:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} والتوسط والاعتدال سبيل المقاربة والكمال، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم:"فسددوا وقاربوا"، أي توسطوا، بلا مبالغة أو غلو وتعمق، فإذا كان المسلم اليوم صحيحًا فغدًا يكون مريضًا، وإذا كان شابًا فغدا يكون كهلًا، وهو أكثر عونًا على دوام الثواب، فخير الأعمال القليل الدائم، وكذلك تأكدت هذه الصورة الأدبية البليغة، بالحكم عليهم على سبيل الأمر والاستحقاق، فقال:"وأبشروا" أي أن الثواب والأجر حتمي لا محالة؛ لذلك أنكر النبي -صلى الله عليه وسلم- على عبد الله بن عمرو بن العاص قوله متشددًا:"والله لأصومن النهار ولأقومن الليل ما عشت" فقال له: "فإنك لا تدري لعلك يطول بك العمر"، قال عبد الله: فشددت على نفسي فشدد علي، ووددت أني قبلت رخصة النبي، وحديث الثلاثة الذين تقالوا عبادة الرسول -صلى الله عليه وسلم- معروف؛ فقال:"هذه سنتي؛ فمن رغب عن سنتي فليس مني".
رابعًا: صور سماحة الإسلام ويسره في صورة أدبية بليغة، تؤاذر ما سبق من بلاغة القول، تقريرًا وتأكيدًا فقال:"واستعينوا بالغدوة والروحة" أي بأول النهار وآخره "وشيء من الدلجة": وجزء يسير من الليل، فجاء بهذه الصورة المحسة والتعبير الأدبي، المستمد من الواقع أول النهار عند طلوع الشمس، وساعة الأصيل عند غروب الشمس، وآخر الليل وقت السكون والسحر، لتكون من قبيل ضرب الأمثال ووقع الحكمة، وبلاغة الأمثال والحكمة أقرتها العقول والأذواق البليغة، فهي التيجان على جبين الفكر البشري، لتحث على اغتنام أوقات النشاط قيامًا بالطاعات، لأن الغدوة والروحة والسحر ينشط فيها الإنسان مسافرًا أو مقيمًا، قال تعالى:{يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} ، {مَا يُرِيدُ اللَّهُ