للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تجعلهم أقوياء أعزة، لا يخشون أحدًا إلا الله، فيصاب العدو بالضعف والجبن والرعب، لا عند ملاقاة المسلمين في ساحة القتال فحسب، بل قبل ذلك بزمن بعيد، ومسافات طويلة يقطعها المسلمون سيرًا في شهر، لكي يتمكن الأعداء من مراجعة أنفسهم، ويعودوا إلى رشدهم، فيعلنوا إسلامهم، ويتمسكوا بتعاليم الإسلام، ويرجعوا عن الظلم والعدوان، حتى لا يتعرضوا للجهاد لرفع الظلم والعدوان والفساد، فما أعظم سماحة الإسلام في الأمن والسلام؟

التصوير الأدبي الرائع في بلاغة التعبير عن السماحة واليسر في قوله: "وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا"، فهو يدل على كمال الشريعة الإسلامية، التي تلاءمت مع نضج العقل البشري واكتماله، وفي قوله: "بعثت إلى الناس عامة" كذلك ترى الروعة والجمال في الصورة الفنية الأولى؛ لأنها كناية عن السماحة واليسر في تعاليم الإسلام، فلم تقتصر الطهارة للعبادة على الماء فحسب؛ بل تصح بالتيمم بضرب الأرض بكفين، يمس بها وجهه وذراعيه، فيرتفع عنه الحدث الأصغر والأكبر، ويصير طاهرًا عند الله وعند الناس، وكذلك الصلاة لا تقتصر على المساجد المبنية فحسب، كالشأن في غيرها فلا تصح الصلاة إلا فيها، بل سماحة الإسلام ويسره تجعل الصلاة مقبولة في جميع بقاع الأرض، كما في قوله: "فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل".

وكذلك تجد الروعة في الصورة الفنية في قوله: "وبعثت إلى الناس كافة" فهي كناية عن صلاحية الشريعة الإسلامية لجميع الناس، ولكل الأجيال والأزمان إلى قيام الساعة، لأن الإسلام اتفق مع طبيعة العقل البشري بعد نضوجه واكتماله، فقد بلغت النفس البشرية مبلغ الكمال في الوعي والعاطفة والوجدان، وتطابقت تعاليمُها مع مقتضيات حياته،

<<  <   >  >>