نكمل الكلام ليتبين، يقول:"والمقام ذُكر على قوله -يعني قول القائل من بعض نحويي الكوفة- ذُكر على قوله لأنه يريد به الموضع الذي يقام فيه، وأنثت (المقامة) لأنه أريد بها البقعة" يعني إذا مررت ببلد مثلاً أي بلد من البلدان، فإما أن تذكره أو تؤنثه، تذكره على إرادة الموضع والمكان، ولك أن تؤنثه على إرادة البقعة، ولذا يقول أهل العلم: إذا جهزت الجنازة لا يُدرى ذكر أو أنثى، فماذا تفعل في الضمائر؟ تقول: اللهم اغفر له وارحمه، أو اغفر لها وارحمها؟ نعم إن شئت ذكرت، وإن شئت أنثت، إن شئت ذكرت على إرادة الميت، وإن شئت أنثت على إرادة الجنازة، فما ينتابه مثل هذا يجوز تذكيره وتأنيثه.
وأنكر هؤلاء -يعني بعض نحويي الكوفة- أن تكون (المثابة) مثل: (السيارة والنسابة)، وقالوا: إنما أدخلت الهاء في (السيارة والنسابة) تشبيها لها بـ (الداعية) الأصل الداعي، وإذا أضيفت إليه الهاء دل على المبالغة.
و (المثابة) مفعلة من (ثاب القوم إلى الموضع) إذا رجعوا، فهم يثوبون إليه مثاباً ومثابةً وثواباً.
فمعنى قوله:{وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} [(١٢٥) سورة البقرة] أي مرجعاً، ثاب القوم إلى الموضع إذا رجعوا {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ} أي مرجعاً للناس يأتونه.