وترون كثير من الناس يتعلقون بأستار الكعبة، وبعض أهل العلم يجيز مثل هذا باعتبار أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر صنيع من تعلق بأستار الكعبة، وهذا من الدلالة التبعية أو الأصلية؟ التبعية، من الدلالة التبعية، بمعنى أن الخبر ما سيق للاستدلال به على جواز التعلق بأستار الكعبة، وإنما سيق لبيان قتل مثل هذا المجرم الذي يقتل في الحل والحرم، فمن يستدل بالدلالة التبعية يقول: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- رآه متعلق بأستار الكعبة ولم ينكر صنيعه، ولا بين وهذا موضع بيان، هذا الذي استدل بالدلالة التبعية، والذي يستدل بالدلالة الأصلية ترى معرفة الدلالتين تحل إشكالات كثيرة مما يواجه طالب العلم من مثل هذه النصوص، الذين لا يستدلون بالدلالة التبعية يقولون: المقصد من سياق الخبر قتل هذا الفاسق، ولو تعلق بأستار الكعبة، والذين يقولون: يستدل بالخبر بجميع ما يدل عليه، نستدل به على القتل، وعلى جواز التعلق، والمسألة كما سمعتم مراراً مختلف فيها ورجح الشاطبي أنه لا يستدل بها مطلقاً، وكلامه فيه نظر، وإن كان القول الثاني أيضاً له من ينصره وله أدلته، فلا يستدل بها مطلقاً ولا تهدر مطلقاً، يعني فرق بين كلام المخلوق الذي إذا تكلم بشيء يغفل عما سوى ما هو بصدده، المخلوق يغفل؛ لكن الخالق -جل وعلا- ولذلك تجدون أهل العلم يستنبطون من الجملة الواحدة أحكام كثيرة بعضها واضح من سياق الكلام، واضح لكل أحد، وبعضها يخفى على بعض الناس، ويبدو للكثير، وبعضها يفهمه بعض الناس ويخفى على الكثير، فدلالة الخبر على التعلق بأستار الكعبة لا شك أنها تبعية وليست أصلية، والخبر عندما سيق أصالة لبيان القصة التي قتل فيها وهو متعلق بأستار الكعبة، وتبقى الدلالة التبعية البعيدة عن المراد في سياق الخبر حسب ما يوافقها وما يعارضها من نصوص أخرى، فإن كانت معارَضة بنصوص أخرى ألغيت، ولعل هذا هو مراد من ألغى الدلالة التبعية مطلقاً، أنها حينما تعارض، وإذا لم تعارض وإنما ووفقت بأدلة أخرى فإنها حينئذ تكون معتبرة، ولعل هذا هو مراد القائلين بأن الدلالة التبعية معتبرة، ويستدل بها كالأصلية.