المبتدعة قسمهم الذهبي في مقدمة الميزان إلى أقسام، تبعاً لبدعهم، البدع الكبرى المغلظة يقول الحافظ الذهبي -رحمه الله تعالى- في حقهم:"فمثل هؤلاء لا يروى عنهم ولا كرامة" وأما البدع الصغرى غير المغلظة فمثل هؤلاء المبتدعة كتب السنة طافحة بالرواية عنهم، ومنها الصحيحين، فالبدع المغلظة المكفرة مثل هؤلاء لا يروى عنهم، ولم يدخلهم ابن الصلاح في الخلاف، ما أدخلهم ابن الصلاح في الخلاف أصلاً، وإن كان رأي ابن حجر في مثل هؤلاء أنهم إذا كانت بدعهم وإن كانت مكفرة وكانوا لا ينكرون أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، واشتملوا على الصدق فإن أخبارهم مقبولة؛ لأن بعض من بدعتهم مغلظة كالخوراج مثلاً بل دعاتهم خرج لهم في الكتب، بل في صحيح البخاري رواية عمران بن حطان وهو خارجي، بل من دعاتهم، بل من دعاة الخوارج، وابن حجر في فتح الباري لما ذكر البخاري -رحمه الله تعالى- الحديث من طريق عمران بن حطان، أورد مثل هذا الإشكال، وقال: بأن بدعته مغلظة وداعية؛ لأن جماهير أهل العلم يقبلون غير الداعية، فماذا عن الداعية مثل عمران بن حطان؟ قال:"ما المانع من قبول روايته وقد عرف بصدق اللهجة؟ " ولا شك أن الخوارج يرون الكذب كبيرة، والكبيرة مكفرة، فهم يجتنبونه، وهم من أصدق الطوائف المبتدعة، كما قرر ذلك شيخ الإسلام وغيره.
يقول ابن حجر ما المانع من قبول روايته وقد عرف بصدق اللهجة؟ والعيني يرد عليه بقوله:"وأي صدق في لهجة مادح قاتل علي" لكن الإنسان الذي يتدين بشيء وينصر ما يراه الحق هو في حد ذاته صادق في نصره لما يراه حق، كونه أخطأ في رؤيته لهذا الأمر الحق أمر آخر، فالصدق موجود؛ لأنه ينصر ما يراه الحق، وشيخ الإسلام لما سئل عن الرازي وقال: إن كثير من الناس يقع في قصده، ولا شك أن من يقرأ كلامه في تفسيره يوجس خيفة من كلامه، لا سيما وقد سمى كتاب التوحيد كتاب الشرك، ورمى إمام الأئمة ابن خزيمة بأعظم القبائح، لا شك أن القارئ يجد في نفسه شيء على هذا، وأن له غرض.
شيخ الإسلام يقول:"بعض الناس يقع في قصده والذي أراه أنه ينصر ما يراه حق".