وقال ربيعة والليث بن سعد وأبو حنيفة والأوزاعي هي واجبة على الموسر، إلا الحاج بمنى، وقال محمد بن الحسن: هي واجبة على المقيم بالأمصار، والمشهور عن أبي حنيفة أنه إنما يوجبها على مقيم يملك نصاباً.
وقال ابن قدامة في المغني: أكثر أهل العلم على أنها سنة مؤكدة غير واجبة، وذكر من تقدم ذكره في الطرفين، إلا أنه ذكر مالكاً فيمن أوجبها وهو خلاف المعروف من مذهبه بل مذهبه أنها سنة.
من قال بوجوبها استدل بأدلة، منها: قوله تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [(٢) سورة الكوثر] وقد تقدم.
ومنها ما رواه البخاري في صحيحه من حديث جندب بن سفيان البجلي قال: شهدت النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم النحر فقال: ((من ذبح قبل أن يصلي فليعد –أمر- فليعد مكانها أخرى، ومن لم يذبح فليذبح)).
فقوله: فليعد، وليذبح كلاهما أمر؛ لاقتران الفعل بلام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
من أدلتهم ما رواه أبو داود في سننه عن عامر بن أبي رملة قال: "أخبرنا مخنف بن سليم قال: ونحن وقوف مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرفات قال: ((يا أيها الناس إن على كل أهل بيت في عام أضحية وعتيرة، أتدرون ما العتيرة؟ قال: هي التي يقول الناس الرجبية)).
قال ابن حجر في الفتح: أخرجه أحمد والأربعة بسند قوي، لكن قال الخطابي فيه أبو رملة مجهول، وقال ابن حجر في التقريب: أبو رملة شيخ لابن عون لا يعرف، يعني فكيف يكون بسند قوي وأبو رملة لا يعرف.
قال الذهبي في الميزان: عامر أبو رملة فيه جهالة وقال عبد الحق: إسناده ضعيف.
وقال أبو داود في سننه بعد سياق الحديث: العتيرة منسوخة، هذا خبر منسوخ، والناسخ له ما رواه الجماعة من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا فرع ولا عتيرة)).
والعتيرة -كما قال الترمذي-: ذبيحة كانوا يذبحونها في رجب يعظمون بها الشهر المحرم شهر رجب.
من أدلتهم ما رواه أحمد وابن ماجه -وصححه الحاكم- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من وجد سعة فلم يضحي فلا يقربن مصلانا)).
قال ابن حجر في البلوغ في هذا الحديث: رواه أحمد وابن ماجه وصححه الحاكم، ورجح الأئمة غيره وقفه.