وهل في مثل هذه النصوص ترخيص لمن فعل هذه المخالفات في ترك الجماعة؟ أو أنه تعزير وطرد له عن الجماعة؟ لكن لما خف الأمر في نفوس الناس كان هذا الأمر عظيم جداً عند المسلمين أن يطرد من المسجد، لكن لما خف الأمر عند كثير من المسلمين ظنوه ترخيص، وإلا لو كان جالساً في مجلس بين ملأ من القوم ثم قيل له: اخرج، هذا سهل عليه؟! هذا ليس بسهل عليه، فكيف يمنع من دخول المسجد ويرى الأمر سهل؟ هذا ليس بالسهل، إنما هو تعزير له، وعلى هذا فهذا ليس بصريح في الوجوب من قوله:((فلا يقربن مصلانا)) كما أن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من أكل ثوماً أو بصلاً فلا يقربن مساجدنا)) ليس صريحاً في التحريم، وقد نص النبي -عليه الصلاة والسلام- على الإباحة، ومع ذلك سماهما شجرتين خبيثتين، فهل وصفهما بالخبث يقتضي إدخالهما في قوله -جل وعلا-: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [(١٥٧) سورة الأعراف] أو أن الخبث يطلق بإزاء أمور متعددة؟ يطلق على الدون، على الأقل {وَلاَ تَيَمَّمُواْ الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ} [(٢٦٧) سورة البقرة] يعني لو كان عندك تمر فاخر وتمر أقل منه، ثم أنفقت من الأقل، أنت منهي عن هذا؛ لكن ما في أجر إذا أنفقت؛ لكن هذا نهي إرشاد، يعني أنفق {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [(٩٢) سورة آل عمران] ومع ذلك لا تيمموا الخبيث الرديء، وإن كان نافعاً للمحتاج، بعض الناس يقصد الخبيث الرديء، يقصد الرديء ويكثر منه، يقول: بدلاً من أن أشتري مائة كيلو من التمر الجيد أشتري خمسمائة كيلو من التمر الوسط وأنفع أكبر قدر من الفقراء، هذا مقصد حسن، هل نقول: أنه ترك الطيب ولجأ إلى الخبيث؟ المقصود أن مثل هذه الأمور لا شك أن هذه أحوال تنزل منازلها، فإذا رأينا أن المحتاجين أكثر من أن يحصر القدر الطيب فيهم ويعمهم نتوجه إلى ما هو أقل منه بحيث نكثر ونستوعب أكبر قدر من الفقراء، ومع ذلك هو خبيث بالنسبة لما فوقه، فالخبث نسبي وإلا فهو طيب حلال، داخل في {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [(١٥٧) سورة الأعراف] يعني لو نظرنا إلى أسعار التمر مثلاً تجد بمائة ريال الكيلو، وكيلو بمائة ريال وتجد بريالين، وعندك أسر كثيرة