الله -جل وعلا- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع من كتابه، والقسم إنما يؤتى به لتعظيم الكلام وتأكيده، فالله سبحانه وتعالى- أمر نبيه أن يقسم على البعث في ثلاثة مواضع, الأول في سورة يونس:{وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي} [(٥٣) سورة يونس] والثاني في الآية الثالثة من سورة سبأ: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [(٣) سورة سبأ] , والثالث في سورة التغابن:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي} [(٧) سورة التغابن] ثلاثة مواضع أمر الله -جل وعلا- نبيه أن يقسم فيها على البعث، وهذا لبيان شأن عظم المقسم عليه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كثيراً ما يحلف ويقسم على الأمور المهمة، ((والذي نفسي بيده)) ((لا ومقلب القلوب)) المقصود أنه يحلف -عليه الصلاة والسلام- وهو الصادق المصدوق، والله -جل وعلا- أقسم وأمر نبيه أن يقسم كل هذا لتعظيم شأن المحلوف عليه والاهتمام بشأنه, فالله -جل وعلا- أقسم بالعصر:{إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [(٢) سورة العصر] هذا المقسم عليه، إن الإنسان لفي خسر، هذا شأنه عظيم وجاء التأكيد بالقسم وإنَّ؛ لأن إنَّ حرف توكيد ونصب، ولفي المؤكدة، لفي خسر، {إِنَّ الْإِنسَانَ}: الإنسان المراد به الجنس؛ بدلالة جواز دخول "كل" مكان (أل) فلو قال إن كل إنسان لفي خسر صح الكلام, وعلامة كون "أل" جنسية أن يحل محلها (كل).
فكل إنسان محكوم عليه بالخسارة إلا من استُثني فكل إنسان يتجه إليه قول الله -جل وعلا-: إن الإنسان لفي خسر، ثم بعد ذلك اسْعَ في خلاص نفسك من هذه الخسارة، وحقق ما بعد (إلا) لتنجو من هذه الخسارة الفادحة التي ليست خسارة الدراهم والدنانير، الخسارة خسارة الآخرة، ولذلك يقول الله -جل وعلا-: {ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ} [(٩) سورة التغابن] يعني التغابن الحقيقي هنالك, لا في الدنيا فلو أن إنساناً فقد جميع ما يملك في هذه الدنيا من مال وولد وجاه وصحة وبقي له رأس ماله الذي هو الدين هذا ليس بخسران، لكن لو خسر دينه وبقي جميع ما يملك في هذه الدنيا وأضعاف أضعاف ما كان يملك لفي خسر.