فمن حقق آمن وأيقن وصدق واعتقد بدون تردد ولا شك ولا ريب، هذه الأركان الستة تحقق فيه وصف الإيمان. والإيمان عند أهل السنة قول باللسان واعتقاد وعمل، قول باللسان واعتقاد بالجنان، وعمل بالأركان، هذه أجزاؤه التي يتركب منها، فمجرد الاعتقاد لا يكفي؛ لأنه دعوى لا بد عليها من دليل يثبتها بالقول فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أُمر أن يقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فلا بد من القول، والقول أيضاً دعوى ما لم يصدقها العمل كما قال الحسن: ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل.
{إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِِ}: عطف الأعمال على الإيمان، من باب عطف الخاص على العام، للاهتمام بشأن الخاص والعناية به، وإلا فالإيمان متطلب للأعمال، فلا بد من العمل في الإيمان، فالتنصيص عليه -على العمل- للاهتمام بشأنه والعناية به.
وعملوا الصالحات، والصالحات جمع صالحة أو صالح، الأعمال الصالحات ما توافر فيها شرطا القبول، العمل الصالح ما توافر فيه شرطا القبول، الذي هو الإخلاص لله -جل وعلا- والمتابعة لنبيه -عليه الصلاة والسلام- فلابد من الإخلاص، فلو أن إنساناً عمل جميع ما سمع به مما جاء الحث عليه في الوحيين لكنه لم يخلص في عمله لله -جل وعلا- ولم يرد به وجه الله تعالى فإنه لا يقبل منه، ولو عمل أعمالاً تستغرق أنفاسه هي في ظاهرها صالحة، ويريد بها وجه الله تعالى لكنها ليست على منهاج النبوة، وليست على هدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإنها حينئذ لا تقبل:((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)) يعني مردود عليه، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [(٢) سورة الملك] قال الفضيل: أحسن عملاً، أخلصه وأصوبه، فإن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل وإن كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يقبل، فلا بد من تحقيق هذين الشرطين، الإخلاص لله -جل وعلا- وأن يكون صواباً على سنة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قد يقول قائل –وقد قيل-: لماذا لا نكتفي بالشرط الثاني، أن يكون عملنا على مقتضى ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ لماذا نشترط الإخلاص؟