في التذكرة للقرطبي -نذكر مثل هذه الأقوال وإن كان فيها ما فيها عند أهل العلم لكن لاستيعاب الأقوال- يقول: اختلف في الميزان والحوض، أيهما قبل الآخر، فقيل: الميزان قبل، وقيل: الحوض، وقال أبو الحسن القابسي: الصحيح أن الحوض قبل، قلت: القائل القرطبي والمعنى يقتضي ذلك، فإن الناس يخرجون عطاشاً من قبورهم، فيقدم قبل الميزان والصراط والله أعلم، إذا قاموا عطاشاً احتاجوا للشرب، لكن لقائلٍ أن يقول: لماذا لا يكون بعد الصراط والميزان لئلا يشرب منه إلا من يستحقه؟ الذي يستحقه هو من يجاوز الميزان والصراط؟ قال ابن حمدان في عقيدته: يشرب منه المؤمنون قبل دخول الجنة وبعد جواز الصراط، وقال الحافظ بن حجر: ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة، ينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها، فلو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه، يقول الحافظ ابن حجر -رحمه الله- وهو من أهل الاطلاع الواسع والاستقراء لما ورد في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل من الأحاديث النبوية يقول: ظاهر الأحاديث أن الحوض بجانب الجنة، ينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها، فلو كان قبل الصراط لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر فيه.
قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار، هذا إيراد قوي، يقول: بجانب الجنة، معنى هذا إذا كان بجانب الجنة معنى هذا أنهم تجاوزوا الميزان والصراط، وما بقي إلا دخول الجنة، قال: وأما ما أورد عليه من أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يروه ويذهب بهم إلى النار فجوابهم: أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون الجنة، فيدفعون في النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط، يعني قبل أن يتجاوزوا الصراط، بل هم في أثناءه إذا قربوا من الحوض ورأوه دفعوا.