يقول القرطبي في التذكرة: ظن بعض الناس أن هذه التحديدات في أحاديث الحوض اضطراب، وليس كذلك، وإنما تحدث النبي -صلى الله عليه وسلم- بحديث الحوض مراتٍ عديدة، وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة، مخاطباً كل طائفةٍ بما كانت تعرف من مسافات مواضعها، فيقول لأهل الشام مثلاً: ما بين أذرح وجرباء، ولأهل اليمن من صنعاء إلى المدينة، وهكذا، وتارةً أخرى يقدر بالزمان، فيقول: مسيرة شهر، والمعنى المقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا، إذا قدرنا هذا الحوض بالمسافات المختلفة المتفاوتة في هذه الأحاديث، فيمكن الجمع بما قاله القرطبي، بأنه خاطب كل أناس بما يفهمونه، وليس المراد التقدير الدقيق، فيخاطب الشامي فما يناسبه مما يعرفه من البلدان، يخاطب اليمني بما يعرفه من البلدان، يخاطب الحجازي بما يعرفه من البلدان وهكذا، وليس في هذا أدنى اضطراب، وتارةً يقدره بالزمان فيقول: مسيرة شهر، والمعنى المقصود أنه حوض كبير متسع الجوانب والزوايا، أيضاً يمكن أن يجاب عن هذا الاختلاف في تحديد المسافة أن هذه المسافات تختلف من حيث الطول لكنها تتحد من حيث الزمان، وقد تتحد في الزمان وتختلف في الطول، كيف؟ السير يختلف من شخصٍ إلى آخر، ومن وسيلةٍ إلى أخرى، إذا قلنا: بسير الأحمال، الإبل المحملة، هذا حملناه على أطول المسافات، وإذا قلنا: بسير الجواد المضمر حملناه على أقل المسافات، ولا يمنع -وهذا لم أقف عليه لأحد- أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبر عن الحوض أولاً بأقل المسافات، ثم بعد ذلك زيد فيه زيادةً لشرفه -عليه الصلاة والسلام- إلى أن وصل إلى أكبر المسافات، فصارت مساحته أوسع مما كانت عليه، وهذا يمكن أن يقال في مثل هذا الموضع للجمع والتوفيق بين هذه الأحاديث.