وفي سنن ابن ماجه عن ثوبان مولى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ذكر الحديث مطولاً وفيه:((وأول من يرد عليّ حوضي فقراء المهاجرين، الدنس ثياباً، الشعث رؤوساً، لا ينكحون المنعمات ولا يفتح لهم السدد)) وهذا حديث خرجه ابن ماجه، ورواه أيضاً الترمذي وقال: حديث غريب، وهو قابل للتحسين بطرقه، ولذا الألباني -رحمه الله- قواه، على كل حال أول من يرد الحوض فقراء المهاجرين، ومعروف ما جاء في الفقراء، وأنهم يدخلون الجنة قبل الأغنياء بخمسمائة عام، في بعض الروايات: بمائة عام، وفي بعضها: بأربعين عاماً، وكلها صحيحة، وهذا الاختلاف كسابقه، ليس من الاختلاف الذي يلزم منه الاضطراب، بل هذا التقدير يختلف باختلاف الأغنياء، ويختلف باختلاف الفقراء، فأشد الناس فقراً يدخل قبل أغنى الناس بخمسمائة عام، ومن دونه في الفقر، يدخل قبل من دون ذلك الغني بمائة عام، ومن دونه في الفقر قبل ذلك الثاني من الأغنياء في المرتبة الثانية بأربعين عاماً، وبمثل هذا يوفق بين النصوص التي يرد فيها مثل هذه التقادير.
وبعض أهل العلم يسلك مسلك آخر في مثل هذه الأحاديث فيقول: أن العدد لا مفهوم له، وإنما يذكر لمجرد بيان عظم الأمر.
وفي التذكرة للقرطبي: قال علماؤنا -رحمهم الله-: "كل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه" يقول: كل من ارتد عن دين الله، ونعرف أنه حصل بعد موته -عليه الصلاة والسلام- أنه ارتد من ارتد ممن دخل في الإسلام، وصحب النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لا يعني هذا أن الأمر جرى على أكثر الصحابة أو على خيار الصحابة كما يزعم ضلال المبتدعة، لا شك أنه ارتد من ارتد، ورجع وعاد إلى الإسلام بعد حروب الردة من رجع، لكن يبقى أنه ارتد من ارتد وهؤلاء هم الذين يذادون، أما أصحابه -عليه الصلاة والسلام- الذين خالط الإيمان بشاشة قلوبهم، وآمنوا به ظاهراً وباطناً وصدقوه وصحبوه صحبةً بحيث آثروه على أنفسهم مثل هؤلاء لا يعرف ولا واحد ارتد منهم، وإنما ارتد بعض ممن لم يقر الإيمان في قلبه، وإنما صدق بلسانه أو دخل الإيمان في قلبه ثم خرج منه، والحي لا تؤمن عليه الفتنة.