فعلى هذا يكون الإنسان على حذرٍ شديد من الإحداث والابتداع في الدين؛ لئلا يذاد عن هذا الحوض، ويكون أيضاً على نظرٍ إلى العاقبة، وحسن الخاتمة، وسؤال الله -جل وعلا- في كل لحظة أن يميته مسلماً غير محدثٍ ولا مبدل، ولا زائغٍ عن هذا الدين، يقول: كل من ارتد عن دين الله، أو أحدث فيه ما لا يرضاه الله، ولم يأذن به الله فهو من المطرودين عن الحوض، المبعدين عنه، يقول:"وأشدهم طرداً من خالف جماعة المسلمين، وفارق سبيلهم، كالخوارج على اختلاف فرقها، والروافض على تباين ضلالها، والمعتزلة على أصناف أهوائها، فهؤلاء كلهم مبدلون، وكذلك الظلمة المسرفون في الجور والظلم وتطميس الحق، وقتل أهله، وإذلالهم، والمعلنون بالكبائر، المستخفون بالمعاصي، وجماعة أهل الزيغ والبدع والأهواء".
يقول القرطبي: هؤلاء هم الذين يذادون عن الحوض، ولا شك أنهم داخلون في الإحداث، كلهم أحدثوا في الدين ما ليس منه، وليحذر المسلم أن يتعبد لله -جل وعلا- بأي عبادةٍ لم يكن عليها دليل، نص لم يسبق لها شرعية من كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام- لئلا يذاد عن الحوض، ومقتضى الإيمان بالنبي -عليه الصلاة والسلام- أن لا يعبد الله -جل وعلا- إلا بما شرع.
فعلى الإنسان أن يقتفي الأثر، ويكتفي بما جاء عن الله وعن رسوله، وجاء عن ابن مسعود -رضي الله تعالى عنه-: "اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم" ولا شك أن الشيطان يزين للناس هذه البدع، ويشرب حبها قلوبهم، فعلى الإنسان أن يعتصم بالكتاب والسنة ولا يزيغ عنهما، ولا يحرف ولا يبدل، ليثبته الله -جل وعلا- في الحياة الدنيا وفي الآخرة.
أما الذين أحدثوا في الدين ما ليس منه، وزعموا أن من المحدثات ومن هذه الضلالات، ومن هذا التبديل الذي ارتكبوه وحسنه لهم الشيطان ودعاة البدعة، لا شك أنهم على ضلالٍ مبين، رؤوس البدع بل من أهل العلم المعروفين -مع الأسف- من يقول: إن من البدع ما يمدح، ومنها المستحسن، فيقسم البدع إلى بدعة محمودة وبدعة مذمومة، ولا مانع من أن نستطرد في الحديث عن البدع؛ لأن البدع هي الإحداث الذي جاء التنصيص عليه في حديث الذود عن الحوض، لنعرف من يهنأ بشربةٍ من هذا الحوض بحيث لا يضمأ بعدها أبداً.