فضول الخلطة الإنسان لا بد له من أن يجتمع بغيره، لا بد أن يجتمع بغيره؛ لأنه كما قال ابن القيم وابن خلدون وغيرهما:"الإنسان مدني بالطبع، وحاجته بيد غيره" قد تكون حاجته بيد غيره، وحاجة غيره بيده، فيحتاج إلى أن يجتمع بفلان وفلان، فهذه الخلطة يحرص الإنسان بقدر الإمكان على تقليلها إلا بقدر الحاجة، وما أوتي كثير من طلبة العلم إلا من قبل هذه الخلطة، تجده إذا صلى العشاء ينظر من بيجينا؟ من بنروح له؟ فقط ما له هم إلا هذا، ثم ينتظر فلان أو يذهب إلى فلان وتذهب عليه الساعات الطوال، ويسهرون الليل كله فإذا حاول مع نفسه وجاهد نفسه للوتر قد يغلبها فيوتر بشيء يسير، لا يحضر فيه قلب، وقد تغلبه، وهذا سببه الخلطة، والخلطة هي سبب القيل والقال، فليقلل الإنسان الخلطة، ومسألة الخلطة والعزلة مسألة اهتم بها أهل العلم، وألفوا فيها الكتب، من خير ما ألف (العزلة) لأبي سليمان الخطابي، من علماء القرن الرابع (٣٨٨) تقريباً توفي، ذكر فيها النصوص التي تحث على العزلة ((يوشك أن يكون خير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال يفر بدينه من الفتن))، وجاء أيضاً الأمر بالخلطة، والتحذير من ترك الجمع والجماعات، والحث على نفع الناس، ولذا الإنسان في هذا الباب إما أن يكون مؤثراً في غيره غير متأثر، أو العكس، فإن كان ممن يؤثر في الناس ولا يتأثر بما عندهم من مخالفات فهذا يتعين في حقه الخلطة، وإن كان ممن يتأثر بما عند الناس من مخالفات ولا يستطيع أن يؤثر فيهم خيراً، فإن مثل هذا يتعين في حقه العزلة، وعلى نصوص العزلة يتنزل حال مثل هذا، بعض الناس يؤثر ويتأثر، ينفع فلان وينتفع به فلان، وعنده شيء من البذل والنفع المتعدي، ومع ذلك قابل للتأثير، يتأثر، نقول: هذا بحسب ما يغلب عليه من طبعه، مع مجاهدة نفسه بعدم التأثر، مثل هذا إذا غلب على ظنه التأثير وتأثره يسير فإنه يجاهد هذا اليسير، ويخالط الناس، أما إذا كان تأثره كثير وتأثيره أقل فمثل هذا العزلة علاجه؛ لأن درء المفاسد عند أهل العلم مقدم على جلب المصالح، وألزم ما على الإنسان وأهم وأولى ما يعنى به الإنسان إصلاح نفسه؛ لأن بعض الناس يكون مثل السراج يضيء للناس، لكنه يحرق نفسه، فإصلاح النفس