وبعض الناس يعتب على من يستعيذ بالله من الفتن، يقول معناه: أنك تستعيذ بالله من أهلك ومالك وولدك، يقول: لا تستعيذ بالله من الفتن، معناه أنك تريد أن تتجرد من هذه الأمور.
لكن الفتن إذا أطلقت واستعيذ بالله منها، فالمراد بها ما يضر في الدين. أما الفتن التي لا تضر فهي أمرها يسير، بل طلبها الشارع كفتنة المال والولد، الله -جل وعلا- يقول بالنسبة للمال:{وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(٧٧) سورة القصص]، فهو مطلوب أصلها لإقامة العبودية، لإقامة الهدف التي من أجله خلق، وأيضاً أمرنا بالتكاثر والتناسل، وأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بذلك ((فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة)) مكاثرٌ بكم الأمم يوم القيامة، فنحن مأمورون بكسب المال من وجهه، لكن لا يكون هدفاً. لا يكون هدفاً في هذه الحياة بحيث يكون محياه ومماته لهذا المال، يضحي بكل شيء من أجل المال، كما رأينا وسمعنا في هذه السنين المتأخرة بعدما فتحت علينا الدنيا.
المقصود أن هذه الفتنة أعني فتنة المال وإن كان أصلها مطلوباً {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(٧٧) سورة القصص]، إنما طلب لتحقيق الهدف الذي من أجله خلق وهو العبودية لله -جل وعلا- إذ لا تقوم الحياة إلا بالمال.
وأيضاً طلب الولد، لبقاء النوع والجنس الإنساني ليعبد الرب -جل وعلا- إلى قيام الساعة، ولو أن كل واحد من المسلمين عزف عن الزواج خشية أن يبتلى بالأولاد ويبتلى بالأهل لخالف سنة النبي -عليه الصلاة والسلام- سنن المرسلين.
يقول الله -جل وعلا-: {وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [(٢٥) سورة الأنفال]. يقول القرطبي: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: أمر الله أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم؛ فيعمهم العذاب؛ لأن الله -جل وعلا- يقول:{وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَآصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [(٢٥) سورة الأنفال].