لا شك أن المخرج من هذه الفتن إنما هو بالاعتصام بكتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-، بعبادة الله -جل وعلا- على نورٍ من الله، لا على جهل، وابتداع، يعني بعض الناس يسمع بالعبادة وفضل العبادة ويضرب في كل بابٍ منها بنصيب، ثم بعد ذلك يكون عمله هباء؛ لأنه يعبد الله على غير ما أراده الله -جل وعلا-، ومن غير اتباع لنبيه -عليه الصلاة والسلام-.
يقول ابن القيم -رحمه الله تعالى- في نونيته: فصلٌ فيما أعده الله تعالى من الإحسان للمتمسكين بكتابه وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- عند فساد الزمان، يقول -رحمه الله-:
هذا وللمتمسكين بسنة الـ ... مختار عند فساد ذي الأزمانِ
أجرٌ عظيم ليس يقدر قدره ... إلا الذي أعطاه للإنسانِ
فروى أبو داود في سنن له ... ورواه أيضاً أحمد الشيباني
أثراً تضمن أجر خمسين امرئ ... من صحب أحمد خيرة الرحمنِ
إسناده حسنٌ ومصداق له ... في مسلم فافهمه فهم بيانِ
إن العبادة وقت هرج هجرة ... حقاً إليَّ وذاك ذو برهانِ إذا عرفنا هذا، إذا عرفنا الفتن وأسباب الفتن، والمخرج من الفتن، وفضل العبادة في وقت الفتن، نعرف أن العبادة المطلوبة في وقت الفتن إما لازمة يعني قاصرٌ نفعها على المتعبد أو متعدية، والمقرر عند أهل العلم أن المتعدي في الجملة أفضل من القاصر، لكن ليس على إطلاقه، ليس هذا على إطلاقه، ليس معنى هذا أن تعطل العبادات القاصرة، ولذلك شرع في بعض الأوقات العبادات القاصرة دون المتعدية، فالاعتكاف إنما هو للعبادات القاصرة، وليس للعبادات المتعدية، ولذا تعليم العلم الذي هو من أفضل الأعمال، بل من أفضل ما يتطوع به لا يشرع في وقت الاعتكاف، إنما يشرع الذكر التلاوة الصلاة مع الصيام، يكثر الإنسان من هذه الأمور في وقت الاعتكاف وهي قاصرة.