ومن ذلك الجنين؛ لأنه مستور في الظلمات الثلاث، والجِن مستترون عنا، لا نراهم، وكذلك الجُنُون الآفة التي تغطي وتستر العقل عن مزاولة ما يزاوله غيره ممن لم يتصف بوصفه.
والجَنّة: كل بستان ذي شجر، والجنة: كل بستان ذي شجر، يستر بأشجاره الأرض يقول الله -جل وعلا-: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتَانِ عَن يَمِينٍ وَشِمَالٍ}[سورة سبأ: ١٥]{وَبَدَّلْنَاهُم بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ}[سورة سبأ: ١٦]{وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ}[سورة الكهف: ٣٩]، كل هذه بساتين.
قيل: وقد تسمى الأشجار الساترة جنة، وعلى ذلك حمل قول الشاعر:
من النواضح تسقى، أو
. . . . . . . . . ... تَسْقِي النواضح جنةً سحقاً
يعني أشجار مرتفعة عالية.
وسميت الجنة –يعني بهذا الاسم- إما تشبيهاً بالجنة في الأرض، التي هي البستان - وإن كان بينهما بون شاسع- فرق كبير بين البستان في الدنيا، وبين الجنة التي أعدها الله لأوليائه، إذ ليس في جنان الدنيا مهما عظمت مما في جنة الخلد إلا الأسماء، كما يقول ابن عباس.
إما تشبيهاً بالجنة في الأرض -وإن كان بينهما البون الشاسع، والفارق الكبير، وإما لستر نعمها عنا المشار إليها بقوله -جل وعلا-: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[سورة السجدة: ١٧]{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[سورة السجدة: ١٧]، أخفي الجزاء؛ لأنهم أخفوا العمل، {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}[سورة السجدة: ١٦]، أخفوا العمل فأخفي لهم الجزاء.
قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: إنما قال: جنات، إنما قال: جنات بلفظ الجمع لكون الجنان سبعاً، لكون الجنان سبعاً: جنة الفردوس، وجنة عدن، وجنة النعيم، ودار الخلد، وجنة المأوى، ودار السلام، وعليين.