لكن بعض الناس يركز على شيء في الجنة مثل الحور العين، يجعل هذه هي الغاية وهي الهدف، نقول: أعظم نعيم في الجنة هو التلذذ برؤية الباري -جل وعلا-، هذا هو أعظم نعيم، أعظم من نعيم الحور العين، مع أن الرغبة في الحور العين، وكون هذا حاث على العمل، هذا ما فيه إشكال؛ لأنه جاءت به النصوص، فنفرق بين أن يكون هذا هو الأصل الباعث على العمل ليخالف:((إنما الأعمال بالنيات)) أو يكون في ضمن العمل، مكمل للعمل الذي جاء الحث عليه، فيكون داخلاً في قوله:((وإنما لكل امرئ ما نوى)).
إذا عرفنا هذا، المسائل التي طلبت في هذا الدرس مع أنها لم تتحرر لدي؛ لأن الأخوة الذين سبقونا بهذه الدروس ما أدري ما الموضوعات التي تطرقوا لها، والذي أخشاه كل ما أخشاه التكرار، وأعرض لمسائل متعلقة بالجنة، مسائل علمية متعلقة بالجنة وهي مشكلة وفيها خلاف بين أهل العلم، يغلب على ظني أن من سبقني لم يتعرض لها.
أولاً: ما الجنة؟ وما تعريف الجنة؟
في أبيات لابن القيم -رحمه الله- تعالى في نونيته نذكرها في آخر المحاضرة إن -شاء الله تعالى-.
الجنة كما يقول الراغب الأصفهاني في المفردات يقول: أصل الجَنّ: ستر الشيء عن الحاسة، ستر الشيء عن الحاسة، يقال: جَنَّهُ الليل وأَجَنَّه وجَنَّ عليه فجنه: ستره وأجنه جعل له ما يُجنه كقولك: قبرتُه وأقبرته وسقيته وأسقيته وجَنَّ عليه كذا: ستر عليه قال الله -عز وجل-: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا}[سورة الأنعام: ٧٦] والجنان: القلب، القلب لكونه مستوراً عن الحاسة، لكونه مستوراً عن الحاسة، هذا هو الأصل؛ لأنه محبوس في القفص الصدري والظهر، هذا هو الأصل فيه، لا يقول: إن الجنان الآن يمكن الاطلاع عليه بالعمليات الجراحية، هذا خلاف الأصل.
والجِنان: القلب لكونه مستوراً عن الحاسة، والمجِن والمجِنة: الترس الذي يُجِن صاحبه. يقول الله -عز وجل-: {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً}[سورة المجادلة: ١٦] وفي الحديث: ((الصوم جُنّة))، هم يستترون بأيمانهم، يعني المنافقين، والصائم يستتر بصيامه ويقيه صيامه، ويستره عن عذاب الله تعالى.