للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله -جل وعلا- أمر نبيه -عليه الصلاة والسلام- إذا فرغ أن ينصب {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [(٧ - ٨) سورة الشرح] قال ابن عباس: "فإذا فرغت من صلاتك فانصب" أي بالغ في الدعاء وسله حاجتك، وقال ابن مسعود: "إذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل" وقال الحسن وقتادة: "إذا فرغت من جهاد عدوك فانصب لعبادة ربك" فهو مأمور بهذا، والنصب هو التعب، ولا يمكن النصب والتعب بأداء أربعين ركعة في اليوم والليلة، بل لا بد من المزيد على ذلك في الكم والكيف؛ ليتحقق النصب المأمور به.

عبادة الصحابة:

الصحابة -رضوان الله عليهم- اقتدوا بنبيهم وقدوتهم وأسوتهم كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي -رضي الله تعالى عنهم أجمعين- وعن بقية الصحابة، فقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- خير الأمة بعد نبيها -عليه الصلاة والسلام-، وفي سيرته من نصرة النبي -عليه الصلاة والسلام- وبذله نفسه وماله في نصرته -عليه الصلاة والسلام- مما لا يحتاج إلى إطالة، إضافة إلى ما عرف عنه من كثرة الصلاة، وأنه كان -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- كما في الحديث الصحيح رجلاً أسيفاً، إذا قرأ الآية تسمع قراءته من البكاء.

وذكر الحافظ ابن كثير عن ليل عمر -رضي الله عنه- أنه كان يصلي بالناس العشاء ثم يدخل بيته فلا يزال يصلي إلى الفجر.

ولا يقال إن عمر -رضي الله تعالى عنه- في هذه الحالة مخالف لما ورد عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان يكره الحديث بعدها؛ لأنه جاءه سائل فقال له ذلك الحديث، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يكره النوم قبلها -أي صلاة العشاء- والحديث بعدها، قال: "إني سائلك عن شيء من العلم" قال: اجلس، فجلس حتى أصبح، فمثل هذا لا يعارض ذلك الحديث. فالمقصود به -الحديث بعدها- الذي يعوق عن الصلة بالله -جل وعلا-، أما ما يعين ويوثق هذه الصلة فهو مطلوب، فقد سهر النبي -عليه الصلاة والسلام- في بعض الليالي للنفع والصلاة وغيرهما.