افترقت هذه الأمة بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- إلى طرفين ووسط، طرف غلوا به -عليه الصلاة والسلام- وطرف جفوا والوسط هم الذين عرفوا قدره وعظموه ووقروه وأحبوه أحب من أنفسهم ومن جميع ما يملكون من والد وولد ومن الناس أجمعين، لكنهم عرفوا حقوق الله -جل وعلا- ولم يصرفوا لنبيه -عليه الصلاة والسلام- شيئاً من حقوقه، فأبى الغلاة إلا مخالفة لأمره وارتكاباً لنهيه وناقضوه أعظم المناقضة، وظنوا أنهم إذا وصفوه بأنه عبد الله ورسوله، وأنه لا يدعى ولا يستغاث به ولا ينذر له، ولا يطاف بحجرته ولا قبره وأنه ليس له من الأمر شيء، كما قال الله -جل وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [(١٢٨) سورة آل عمران]، يعني إذا صرحوا بهذا قالوا ظنوا أنهم لم يقدروا قدره كذلك إذا اعتقدوا أنه لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله -جل وعلا- اعتقدوا أن في ذلك هضماً لجنابه -عليه الصلاة والسلام- وغضاً من قدره فرفعوه فوق منزلته وادعوا فيه ما ادعت النصارى في عيسى أو قريباً منه، فسألوه مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب.
وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الاستغاثة عن بعض أهل زمانه أنه جوز الاستغاثة بالنبي -صلى الله عليه وسلم- في كل ما يستغاث به -جل وعلا- وصنف في ذلك مصنفاً، وكان يقول إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يعلم مفاتيح الغيب، التي لا يعلمها إلا الله، وحكى عن آخر من جنسه يباشر التدريس وينسب إلى الفتيا أنه كان يقول إن النبي -صلى الله عليه وسلم- يعلم ما يعلمه الله -جل وعلا- ويقدر على ما يقدر عليه الله تعالى، وأن هذا السر وهذا العلم وهذه القدرة انتقلت بعده إلى الحسن، ثم انتقل في ذرية الحسن إلى أبي الحسن الشاذلي، وقالوا: هذا مقام القطب الغوث الفرد الجامع.