للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دنيوية، بل سوف يجد أثرها على بقية يومه، كما قال شيخ الإسلام: هي الزاد التي تعينه على بقية أعماله الصالحة في يومه، فابن القيم -رحمه الله- لما شرح حال الأبرار، وحال المقربين في طريق الهجرتين، وضع برنامج من استيقاظهم من النوم لصلاة الصبح، وكيفية استعدادهم للصلاة، وذهابهم إليها، وقربهم من الإمام، واستماعهم من القراءة المشهودة، ثم الجلوس إلى انتشار الشمس مع الانكسار بين يدي الله -جل وعلا- والتعرض لنفحاته، مثل هذا يعان بقية يومه، وإذا كان هذا ديدنه يعان بقية عمره، والإنسان يموت على ما عاش عليه، المغني يموت على خشبة المسرح، والتالي لكتاب الله يموت ورأسه في المصحف، هذه حقائق، والمصلي يموت وهو ساجد، هذه حقائق أمثلة عملية نعرف من شيوخنا من صار عليه حادث سيارة، وأدخل المستشفى في العناية المركزة لا يعرف أحداً، ولا ينطق بكلمة، والقرآن يسمع من لسانه واضحاً جلياً، ويوجد من المؤذنين من أفنى عمره في هذا العمل الجليل، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة، يوجد من يسمع منه الأذان، وهو في العناية في وقت الأذان.

المقصود أن على طالب العلم أن يبذل الأسباب، ويدفع الموانع قدر استطاعته، ومثل هذا الجهاد والمجاهدة تأتي بالتدريج، ما تأتي دفعة واحدة، ولذا جاء عن بعض السلف أنهم كافحوا قيام الليل سنين ثم تلذذوا به، تلذذوا به بقية العمر، كل شخص يتلذذ بمناجاة محبوبه، بل وجد هذا في الحيوان يتلذذ بمجالسة ومناجاة محبوبه، فإذا كان المحبوب هو الله -جل وعلا- فحدث ولا حرج، وإذا كان ابن القيم وهو يشرح حال المقربين يقسم بالله أنه ما شم لهم رائحة، فكيف بغيره؟! وقد وصف حالهم وبرنامجهم اليومي وصفاً دقيقاً كأنه منهم ومن بينهم، بل الذي يغلب على الظن أنه منهم، ويقول مع ذلك أنه يستفيد فائدة ولو لم يكن ممن يفعل هذا علّ أحداً أن يفعله فيكتب له من أجره، وإذا تحدثنا عن القيام وعن الصيام وعن تلاوة القرآن فلا يعني هذا أن الإنسان متصف بهذا الوصف، والله المستعان.